السلام عليكم
المشكلة بدأت من فترة ليست بعيدة (عدة أشهر) وقت الامتحانات حيث بدأت أعاني من وساوس بشعة في الدين وشكوك وأصبح يهيأ لي أنني في حلم كبير أم أنني لست في وعيي ولا أعرف هل هذه الحياة حقيقة أم خيال وما الدين؟
وأصبحت أحس بأني لا أنتمي لهذا العالم وأحس بالغرابة في كل شيء وأحس كأني تحت تأثير مخدر وكنت أبكي كثيراً وأصرخ من هذه الوساوس حتى كادت تضيع أمتحاناتي وعندما بدأ الأمر قالوا لي إن هذا ضغط امتحانات وبعدها سيزول وعندما أنتهت الأمتحانات بقي الحال على ما هو عليه فقالوا ينقصني علم ديني لأني مثقف جداً في شتى المجالات أما في الدين فمعلوماتي محدودة، فأخذت أقرأ في كمية هائلة من الكتب وأستمع للدروس في الدش والمساجد ولا فائدة داومت على قراءة الأوراد ولا تحسن يذكر.
وكل يوم تطرأ على ذهني وساوس أبشع وأقبح من سابقاتها ولا أعرف كيف تطرأ على بالي ولا تفارقني إلا لحظات وأصبحت الحياة كئيبة جداً، إنني أحس أنني أحقر وأبشع شخص خلق على وجه هذه الأرض وخصوصاً أنني أحس بالتبلد أمامها ولم أعد أبكي كما كان في الماضي وأحس كما لو كنت أرغب في بقاء هذه الوساوس الملعونة رغم أني لا أحب أحداً في هذا العالم قدر حبي لله الذي أفضل مناجاته دائما بـ (يا حبيبي)، وأصبحت لا أستمتع بلحظات المناجاة ولا الصلاة ولا الدعاء حيث ما إن أذكر أسمه تعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم أو أشياء من هذا القبيل حتى تنطلق داخلي سيول التطاولات القميئة التي لا أقوى على وقفها،
علما بأني عندما أمشي في الشارع ألتقط كل الأوراق التي بها لفظ الجلالة وأقبلها وأحفظها حتى أحرقها كي لا تمتهن، بقي أن أقول أن عمري 18.5 وفي الإعدادي أنتابتني شكوك في الوضوء فكنت أصلي الصلاة عدة مرات بعدة مرات وضوء وعندما أشرع في الوضوء أحس بالتقلصات والغازات فأتوضأ عدة مرات. ولقد ذهبت لطبيب نفسي وكتب لي دواء سيبرام ولا أحس بتحسن منذ 3 أسابيع؟
فما هو الحل وهل أنا مذنب فأنا أخاف الموت على هذه الحالة مع العلم أنني شخص مهذب وخجول والتطاولات التي في داخلي لا يمكن أن أسب بها بشرا فما بالك بربي وحبيبي؟
ما يغيظني أنه من ضمن ما يحدث أن يحاول إقناعي بأن هذه التطاولات صواب. إني أخشى أن يفلت لساني ذات مرة بما يغضب الله؟ هل لي من حل سريع؟ وهل تعود هذه الوساوس مرة أخرى؟
أحلم بيوم أصحو لأجد نفسي نسيت أصلا وجود المشكلة
وشكراً.
19/08/2003
رد المستشار
السائل العزيز، أهلا بك على موقعنا، ونعدك بأن نتواصل معًا وأن نعاونك بالتوجيه والإرشاد إلى أن ينعم الله عليك بالشفاء التام، وسوف نسير معك خطوةً خطوةً لكي نوضح لك نوعية وتصنيف الأعراض التي تعاني منها، من أجل أن تصل إلى الفهم لحالتك قدر الإمكان،
فأول ما طرأ عليك من أعراض كان بعض الأفكار التسلطية التي تحمل في محتواها التشكيك في المعتقدات الدينية، والتطاول على أقدس المقدسات لديك، وهذان العرضان يقعان تحت تصنيف الوسواس القهري ماداما لا يزولان عنك إذا استعذت بالله تعالى من الشيطان الرجيم، خاصةً وأن مثل هذه الأفكار تحدثُ ليس فقط للمسلمين أو أصحاب الأديان السماوية وإنما تحدثُ حنى عند البوذيين، فتداهم البوذي أفكارٌ تتعلق بالسب والتطاول على بوذا! وهذا ما لا ستطيع إرجاعه للشيطان طبقًا للمفهوم الإسلامي للشيطان، بل إن من المرضى من تأتيه أفكار التطاول والسب فيما يتعلق بالأشخاص الذين يحترمهم ويقدرهم مثلاً شخصٌ يتخذُ قدوةً أو مثلاً أعلى، وعادةً ما تأتي مثل هذه الأفكار لشخص مؤدبٍ جداً وتتعلقُ بأحد من يحترمهم غاية الاحترام ويتخذهم كما قلت مثلاً أعلى أو قدوةً فيكونُ لها أثرٌ مؤلمٌ جدا في النفس.
وقد تزامن مع أفكار التشكيك والسب والتطاول تلك إحساس بالاستغراب لما يفترض أنه غير غريبٍ عليك وكذلك الشعور كأن العالم خيال أو الشك في وجوده وحقيقته وهذا يندرج تحت عرض أختلال الإنية وهو أن تشعر باستغراب لذاتك أو عدم تأكد من وجودها أو وجود مشاعرك إلى آخره، وكثيرًا ما نجد معه اختلالا في إدراك الواقع المحيط أيضًا فتحس وكأنه غير حقيقي أو كأنه تمثيل وهكذا، وهذا العرض العصابي يبدو في حالتك وكأنه نوع من الدفاع ضد ضغط الأفكار التسلطية على وعيك، وكل هذا بالإضافة إلى أنك حين بدأت تنتابك الأفكار التسلطية في هذه المرة الأخيرة (والتي نسأل الله أن تكونَ الأخيرة دائمًا)،
ولمزيد من المعلومات عن اختلال الإنية ننصحك بقراءة الإجابة السابقة لنا على صفحتنا استشارات مجانين في مجانين دوت كوم: اختلال الإنية وخلطة القلق والاكتئاب وقد تعامل المحيطون بك مع الموقف مبدئيا بافتراض أنه راجع إلى كرب الامتحانات، وقد يكونُ للكروب الحياتية دورٌ في إحداث بعض الأعراض النفسية ولكن الأمر في حالتك تخطى هذه الحدود منذ البداية، خاصةً وأنك ذكرت في إفادتك ما يشيرُ إلى وجود تاريخٍ مرضي شخصي للوسوسة حين تقول (وفي الإعدادي انتابتني شكوك في الوضوء فكنت أصلي الصلاة عدة مرات بعدة مرات وضوء وعندما أشرع في الوضوء أحس بالتقلصات والغازات فأتوضأ عدة مرات)،
وهذه أعراض أضطراب الوسواس القهري التي مرت ولم يلتفت لها أحدٌ من المحيطين بك أو لم يتعاملوا معها بالجدية اللازمة، ويمكنك الاستزادة من المعلومات حول هذا الموضوع من خلال قراءة الردود السابقة على صفحتنا: ما هيَ الم.ا.س.ا، وأيضًا الم.ا.س والم.ا.س.ا وتأخير القذف، حيث ستعرفُ الكثير عن وسواس القولون لدى المسلمين وعن طريقة العلاج والآثار الجانبية المحتملة للم.ا..سا في بداية استخدامها،
أما ما نود بيانه لك بعد ذلك فهو أن رد فعلك الاكتئابي الذي بدأ يتشكل في الفترة الأخيرة والذي يتضح من قولك (إنني أحس أنني أحقر وأبشع شخص خلق على وجه هذه الأرض وخصوصا أنني أحس بالتبلد أمامها ولم أعد أبكي كما كان في الماضي وأحس كما لو كنت أرغب في بقاء هذه الوساوس الملعونة)، فرد الفعل هذا وشعورك بتبلد المشاعر إنما يمثل نوعًا من الاكتئاب وقد علمتني التجربة العملية أثناء ممارستي للطب النفسي أن ظهور الاكتئاب ووجوده مع مريض اضطراب الوسواس القهري يعتبرُ إشارةً إلى حسن المآل العلاجي، فاستبشر خيرًا إن شاء الله وتظهرُ أعراض الاكتئاب في كثيرِ من مرضى اضطراب الوسواس القهري وربما تبدو هذه الأعراضُ في بعض الحالات كردِ فعلٍ مفهومٍ لأعراض الوسواس القهري لكنها ليستْ دائمًـا كذلك،
فهناك من مرضى اضطراب الوسواس القهري من يعانون من فترات اعتلالٍ مزاجي كالاكتئاب يبدو حدوثها مستقلاً عن أعراض الوسواس القهري لأنه لا يرتبطُ بفترات زيادة الأعراض القهرية، وهكذا لا نستطيعُ في مثل هذه الحالات أن نرجعَ سبب أعراض الاكتئاب إلى رد فعل المريض على أعراضه القهرية، ويثور التساؤل حول ماهية هذه الأعراض الاكتئابية هل هيَ جزءٌ من اضطراب الوسواس القهري؟ أم هيَ أعراض اضطراب اكتئابٍ جسيمٍ قائمٍ بذاته في نفس المريض باضطراب الوسواس القهري؟،
وجديرٌ بالذكر هنا، أن أولَ منْ نبهَ إلى وجود علاقة بين الوسواس القهري والاكتئاب كانَ حجة الطب الإسلامي أبو بكر الرازي (854 –932 م) في القرن التاسع/العاشر، كما أطلق الرازي على اضطراب الاكتئاب الجسيم اسم الوسواس السوداوي وهو بذلك سبق كل الغرب في الانتباه إلى هذه العلاقة، إذن فالعلاقةُ بينَ الاكتئاب والوسواس القهري قديمةٌ، ولكنها جديدةٌ أيضًـا لأن النظرَ إلى نوعية الأدوية التي تعالجهُ يجعلنا نفكرُ مرةً أخرى في هذه العلاقة، فكلُّ العقَّـاقير التي تعالجُ اضطراب الوسواس القهري إنما هيَ عقاقير تعالجُ الاكتئاب أصلا بغض النظر عن وجود أعراض وسواس قهري أو عدم وجودها في المريض، لكنَّ العكس غيرُ صحيح فليست كل العقَّـاقير التي تعالجُ اضطراب الاكتئاب الجسيم تصلحُ في علاج اضطراب الوسواس القهري إذ لابد من أن تكونَ لها مفعولُ زيادة الناقل العصبي السيروتونين في مشابك الالتقاء العصبي.
كما أن الاستجابة لهذا النوع من مضادات الاكتئاب تختلفُ من حيث توقيتها بينَ مريض الوسواس القهري ومريض الاكتئاب ففي مريض الوسواس القهري تبدأ الاستجابةُ مبكرًا فتقلُّ الأعراضُ القهرية وفي نفس الوقت تقل الأعراضُ الاكتئابيةُ المصاحبةُ لها، بينما تتأخرُ استجابةُ أعراض الاكتئاب إلى ما لا يقلُّ عن أسبوعين في مريض اضطراب الاكتئاب الجسيم إذن فأعراض الاكتئاب الموجودة في مريض اضطراب الوسواس القهري تتحسنُ بشكلٍ سريعٍ مقارنة بأعراض الاكتئاب في مريض اضطراب الاكتئاب الجسيم وكل ذلك يوحي باختلاف في طبيعة الأعراض الاكتئابية المصاحبة لاضطراب الوسواس القهري عن تلك الموجودة في اضطراب الاكتئاب الجسيم؛
يضاف إلى ذلك أن الاستجابة للعلاج في اضطراب الاكتئاب الجسيم عادةً ما تكونُ إما إستجابةٌ كاملةٌ أو لا إستجابةَ كاملة بينما إستجابة اضطراب الوسواس القهري كثيرًا ما تكونُ إستجابةً جزئيةً بمعنى أن الأفكار التسلطية تصبحُ أقلَّ إلحاحًا وأكثر خضوعًا لمقاومة المريض عنها قبل العلاج، بل إن هناكَ من يذهبُ أبعدَ من ذلكَ ليقولَ أن أعراض الاكتئاب المصاحبة لاضطراب الوسواس القهري لا تستجيبُ أحيانًـا لأي نوعٍ من مضادات الاكتئاب وإنما تستجيبُ فقط للعقاقير التي تعملُ عملها المضاد للإكتئاب من خلال زيادتها للسيروتونين أي الم.ا.س أو الم.ا.س.ا. وأما كونك تتناول عقار السيتالوبرام منذ ثلاثة أسابيع ولا تحس بتحسن بعد فإن الأمر قد يحتاج إلى مضاعفة الجرعة إلى 40 مجم وربما 60 مجم يوميا، ويمكنك أن تستشير طبيبك في زيادة الجرعة، أو ربما تغيير العقار بعقارٍ آخر حسب ما يراه طبيبك المعالج،
كما أن من المهم أن تعرف أن الصبر مهم في حالة علاج الوسواس القهري، وأننا لا نستطيع الحكم على عقار ما من مجموعة الم.ا.س.ا التي ينتمي لها العقار الذي تتناوله قبل مرور 12أسبوعا على أستعماله بانتظام فالصبر على الماس يمحو الوسواس بإذن الله ولكن ليس هناك الحل السريع الذي تسأل عنه وبخصوص سؤالك هل تعود الوساوس مرةً أخرى فإن عليك أولاً: أن تتم علاج معاناتك الحالية وأما المسار المرضي بعد ذلك فهو مختلفٌ من حالةٍ لحالة فهناك خالات لا تتكررُ فيها الوسوسة بعد إتمام العلاج والاستمرار عليه فترةً مناسبة يحددها الطبيب المعالج وتعتبرُ فترةً وقائية بعد أن تختفي الأعراض تماما أي أنها ستكونُ فترةً خاليةً من أعراض الوسوسة لكنك تستمرُّ فيها على نفس الجرعة التي تحسنت عليها، ومن حقك أن تحلم ولكن دونَ أن تضع رأسك في الرمال وتنكرَ أن مشكلةً ما قد تعاودك من حينٍ لآخر فهذا في علم الله وحده، وليس صحيحا ولا منطقيا أن تنسى المشكلة بل إن ما يجبُ عليك هو أن تتعلم كيفية مواجهتها والتعامل معها وأحمد الله سبحانه الذي هدانا للعلاج، وفقك الله وتابعنا بأخبارك.
ويتبع>>>>>>> : الوسواس القهري والاكتئاب مشاركة