متابعة على استشارة احتضان الأطفال هل يثيرهم جنسيا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
هذه متابعة على استشارة احتضان الأطفال .. هل يثيرهم جنسيا ؟؟
والمتابعة الآن ليس في موضوع الاستشارة الأصلي، بل في الموضوع الذي لفت الدكتور محمد نظري إليه وهو اعتمادية أخي علي، حين أثّر غيابي عنه على دراسته بشكل كبير جدا..
كيف الحال يا دكتور ؟؟
إن شاء الله على خير ما يرام.. وأسأل الله أن تكثر اللقاءات التليفزيونية معكم، فأنتم بحق تنورون التلفاز.. بارك الله بكم وبجهودكم المباركة..
بعد الكلام الذي قلته حضرتك، وقفت طويلا مع نفسي، وبدأت باتخاذ خطوات لتخليص أخي من اعتماده علي..
أولا: لم يعد ينام معي في غرفتي، بل عاد لينام بجوار والدته (*******************)..
ثانيا: بالنسبة لموضوع دراسته، فقد كنت وقبل أن تقول حضرتك ما قلته عن اعتماديته، كنت قد قررت أن لا نتدخل أنا وأختي في دراسته هذا العام بأكثر من إعطائه التوجيهات العامة وماذا يجب أن يفعل، وإجابته على أسئلته عن الأشياء التي لم يفهمها.. وهذا لأنني لاحظت أنه لا يدرس إلا إذا أجلسناه للدراسة، وأحيانا يكون الأمر غصبا عنه، ولكنني وجدت أننا إذا كنا نستطيع أن نسيطر على موقفه من الدراسة الآن بإجباره عليها، فإنه سيكبر ولن نستطيع الاستمرار بهذا الأسلوب في المستقبل عندما يصل إلى الشهادة الإعدادية ثم الثانوية.
أي فضلت أن أتبع معه أسلوب تحميله مسؤولية قراره، وجعله يتحمل نتائجه بنفسه..
مثلا: المواد الاجتماعية تحتاج أن يدرسها الطفل على مهل، أما إذا تراكمت عليه الدروس فإنه سيصل إلى يوم الامتحان وعليه 16درس ما بين تاريخ وجغرافيا وقومية، فأنى له أن يحشو كل هذه المعلومات في رأسه وفي يوم واحد.. بينت له عواقب إهماله في الدراسة، وبينت له كيف أنه لن يستطيع أن يدرس كل شيء دفعة واحدة، وحاولت تشجيعه على الدراسة، ثم تركته يأخذ قراره بنفسه ولكنني نبهته إلى أنه حين يقرر أن يدرس أولا بأول أو حين يقرر أن لا يدرس إلا دفعة واحدة، ففي الحالتين هو الوحيد المسئول عن قراره، وهو الوحيد الذي سيتحمل نتائجه.. عليه أن يواجه معلمته التي ربما ستعنفه إذا كانت علاماته متدنية، وعليه أن يتحمل تراجع ترتيبه بين أصدقائه.. وهكذا.. بينت له كل شيء..
الأمر الآخر المتعلق بدراسته هو: أنه لا يحفظ الدرس كاملا، بل يجزئه إلى عدة أجزاء، ويسمعني كل جزء على حدة، فجعلت أقول له: احفظه على أجزاء ولكنني حين أستمع لك فإنني سأسمع الدرس كاملا.. مع العلم أن الدرس الواحد لا يتعدى الصفحة الواحدة من الكتاب المدرسي.. قاوم كثيرا في البداية، وتعلل بأنه لا يستطيع أن يحفظ بهذه الطريقة.. ولكنني لم استسلم، لأنه من المستحيل أن يبقى بهذه الحال: لا يستطيع حفظ السطرين الثالث والرابع إلا إذا أسمعني الأول والثاني.. وعلّمته كيف يستعين بطريقة الكتابة في التسميع لنفسه، طبعا إذا أراد هو ذلك وليست طريقة إلزامية.. وجعلت له أسلوبا جديدا في الاستماع وهو: أن أسأله أسئلة متفرقة من الدرس.. أي في الماضي كنت أطلب منه أن يسمعني الفقرة كاملة، أما الآن فقد جعلت الأسئلة أكثر تركيزا، لأنني أريده أن يحفظ بفهم وليس بصم..
نتائج هذه الخطوات الجديدة على صعيد الدراسة:
في بداية العام الدراسي وفي الاختبار الأول كانت علاماته زي الزفت.. لأنه لم يكن يصغي إلى نصائحي في الطريقة الصحيحة للدراسة.. أظهر عدم اكتراثه بالأمر ولكنه من داخله كان يفور ويغلي لأنه كان يحب أن يكون مثل صديقه المتفوق دائما..
وبدأت جولة الاختبار الثانية ثم الامتحان النصفي.. وأخي بين مد وجزر في التزامه بالقواعد الصحيحة للدراسة.. وكان حين يسخط من أسلوبي الجديد (*****************) كنت أوضح له أنا وأختي التي هي الآن في سنة أولى علم اجتماع، أننا لا نفعل معه ذلك إلا لنجنبه الويلات التي عانينا منها نحن، فنحن لم نجد من يوجهنا في الدراسة، فاكتسبنا عادات دراسية خاطئة جدا وأنا شخصيا حتى الآن لم أستطع التخلص منها نهائيا!! وبالتحديد موضوع دراسة الدرس من أول ما تعطيه لنا المدرسة. حيث كنت أُراكم كل شيء عليّ إلى آخر لحظة!
وأختي عانت من الإهمال لها في دراستها بل من عادة سيئة جدا عودتها عليها مدرساتها في الابتدائي وهي أنها كانت تعطي التلاميذ مجموعة من الأسئلة لكل مادة قبل امتحانها، وتمتحنهم فقط بهذه الأسئلة.. أي أختي وصلت إلى الشهادة الإعدادية وهي لا تعرف كيف تكون المذاكرة الحقيقية..
المهم.. كنا نعرض عليه معاناتنا وتجاربنا السيئة وآثارها علينا حتى الآن... فنجده يقتنع.. ويحاول من جديد.. ولكن سريعا ما تصاب همته بالفتور.. والآن ولله الحمد بدأنا نقطف ثمار ما زرعناه طوال الأشهر الماضية.. حيث بدأ أخي يهتم بدراسته بنفسه ويتوجه لها، وبدأ يخطط نوعا ما ويلاحق أموره بنفسه..
الحقيقة أن اعتماديته بلغت مبلغا مخيفا، فعندما كنت أدرسه مادة النحو للاختبار الماضي وجدت أنه لم يصحح الوظيفة مع مدرسته، وأنا احتجت تصحيح الوظيفة لأحل سؤال لم أعرف الإجابة عليه، فسألته لماذا لم تصحح مع مدرستك الوظيفة؟؟ فقال لأنني في اليوم الذي صححوا فيه الوظيفة تغيبت عن المدرسة بسبب تساقط الثلج.. فقلت له: طيب، أليس من المفروض أن تسأل أصدقاءك الذين لم يتغيبوا عن ما فعلوه في ذلك اليوم، فقال: سألتهم، فقالوا أنهم فقط صححوا الوظائف، فقلت له: أليس من المفروض أن ترى أنت ماذا صححوا لتصحح أنت أيضا..!!
وغضبت يومها فعلا من هذا الإهمال.. ولكنني بينت له أن هذه مسؤوليته هو، إذ ليس من المعقول أن ألاحق أنا أموره إلى هذه الدرجة.. فقلت له: تتصور أن أتصل أنا بصديقك وأسأله عن ما فعلوه في المدرسة.. كأنك طفل صغير ولست في الخامس الابتدائي!!
طبعا اعتماديته أوصلته إلى الإهمال.. وهذا الموقف أثّر فيه لأن صديقه المتفوق يسأل دائما ويتابع نفسه بنفسه.. طبعا والدته تتابعه ولكن بالقدر المعقول فقط.. ولكنه حتى الآن لم يكتسب العادات الدراسية الصحيحة، فهو كما قلت لكم: ما بين مد وجزر، وأنا أحاول أن أجعله يعتمد على نفسه برؤيته لنتائج خياراته التي اختارها بملء إرادته، فكسله وتهاونه أوصله إلى كذا، وجده واجتهاده أوصله إلى كذا..
ما مدى صحة ما أفعله مع أخي؟؟
ثالثا: موضوع الطعام.. مشكلة أخي مع الأكل مشكلة قديمة جدا، وهي باختصار أنه ومنذ طفولته المبكرة بل منذ مرحلة الرضاعة إذا شعر أنه يأكل فإنه لا يأكل، والطريقة الوحيدة لجعله يأكل هي لفت انتباهه إلى شيء آخر ثم دس اللقمة في فمه وهو لا يشعر..
أي مارس الأكل غير الواعي دائما وحتى سن متقدمة –7 سنوات– حيث أول مرة قال فيها: أنا جائع، كانت في الصف الثاني الابتدائي!!! وطبعا أفضل وسيلة تلهي هذا الطفل هي التلفاز، وحتى الآن يأكل على التلفاز، وقد بينت له كثيرا آثار ومساوئ الأكل على التلفاز، وشرحت له تجربتي ومشكلتي أنا مع الطعام وكيف قادني ذلك إلى السمنة وووو..
يقتنع ويحاول التطبيق لفترة، ولكن تضعف إرادته فيعود للأكل على التلفاز.. فأعود إلى تنبيهه ولكن دون إكراهه على ما أريد.. دائما أشفع ما أقوله بهذه العبارة: حبيبي، أنا أحبك كثيرا، ولهذا لا أريدك أن تعاني في حياتك من نفس المشاكل التي عانيت أنا منها، ولهذا أنصحك وفي النهاية أنت حر في اتخاذ قرارك ولكن أنت المسؤول عنه، أي لا تقل في المستقبل لماذا لم تفعلوا لي، لأنك حينها تكون أنت قد فعلت بنفسك..
وعلى فكرة لقد لاحظت عليه في الآونة الأخيرة أنه كلما جلس لمشاهدة التلفاز فإنه يشعر بالجوع حتى ولو لم يمض على تناوله للطعام إلا فترة قليلة، يبدو أن هناك ارتباطا شرطيا نشأ بين الجوع والتلفاز..
وجزاكم الله كل خير.. ( **************************) والآن.. ما رأيكم، دام فضلكم؟؟
ملاحظة: كل ما هو بين الأقواس لا أريد عرضه على الصفحة.. وشكرا.
23/04/2004
رد المستشار
الأخت الفاضلة....... "أمامة"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
وأرجو أن تكوني والأسرة الكريمة في أحسن حال، وشكرا على تقديرك الطيب لي وأتمنى أن أكون عند حسن ظنك دائما.
لقد أحسست بالفزع أكثر هذه المرة وأنا أقرأ رسالتك ذات الصفحات الأربع تسردين فيها مظاهر الاهتمام (الوسواسي الخانق) بأخيك "كامل" الطالب في الصف الخامس الابتدائي.
وقد خيل إلي أنك وإخوتك الاثنتين ووالدتكن قد تفرغتما تماما لرعاية كامل وتتبع كل صغيرة وكبيرة في حياته بدءاً من تناول طعامه وانتهاءً بمشاكله الدراسية، فهو محاط بكن معا أو بالتبادل طول الوقت تقريبا لدرجة يصعب معها أي نمو شخصي أو دراسي. وحتى حين قررت أن تعطيه فرصة للاستقلال بأن لا ينام في سريرك انتقل مباشرة لينام في سرير والدته، وحين قررت تركه يدرس الرياضيات وحده استدعت الأم أختك المتزوجة لتقوم بالمهمة.... وهكذا.
وإذا أخذنا موضوع الأكل (وهو وظيفة فسيولوجية يفعلها أي كائن بشكل بسيط وتلقائي) فإنه حتى الآن مازال يعتمد عليكن لإتمامها فهو لا يستطيع الأكل إلا إذا قامت إحداكن بالجلوس معه أمام التليفزيون ثم تلفت انتباهه بعيدا عن الطعام ثم تدس اللقمة في فمه وهو لا يشعر (أي أنه يمارس الأكل غير الواعي كما قلت ويمارس أيضا الحياة كلها بلا وعي معتمدا على وعيكن)، وكانت أول مرة يقول فيها أنا جائع في الصف الثاني الابتدائي.
وهنا مشكلة تربوية هائلة فالإنسان (صغيرا كان أم كبيرا) يحتاج إلى الشعور بالاحتياج والحرمان حتى تنمو قدراته الذاتية وتنمو لديه الرغبة في السعي والقدرة عليه، أما إذا كان في حالة إشباع مستمرة لحاجاته البيولوجية والنفسية فإن قدراته تضعف أو تموت، وتخفت دوافعه وتترهل نفسه، وهذا ما يحدث مع "كامل" الذي تحوطه أربع نساء لتلبية احتياجاته "كلها" ولتلقينه طول الوقت ما يجب وما لا يجب ولتجنيبه طول الوقت أي مشكلات يمكن أن تواجهه وذلك من خلال تفادي كل الاحتمالات (حتى البسيطة منها) التي يمكن أن يعانى فيها، فأنتن تعرضن عليه كل ما مر بكن من متاعب حتى لا يواجهها، وكأنه مطلوب منه أن لا يمر بأي خبرات ويكتفي بنتائج خبراتكن حتى لا يعاني ولا يتألم ولا يحتار ولا يجرب.
وهذا كله غير مفيد تربويا أو نفسيا فالإنسان يحتاج لدرجة من الحرمان (كما يحتاج لدرجة من الإشباع)، ويحتاج لدرجة من الألم ولدرجة من الحيرة ولدرجة من الفشل ولدرجة من الغيرة والشعور بالمنافسة والشعور بالحاجة لبذل الجهد (الشخصي) للحفاظ على وجوده. وللأسف الشديد لا يحدث شيء من هذا مع كامل فرغبة الوالدة (ورغبتك أنت أيضا بدون وعي) في حمايته الزائدة تجعله في وضع طفل محفوظ في "حضانة زجاجية معقمة" لا تسمح له بأي نمو، ولن يغير هذا الوضع ما تقولينه له في بعض الأوقات: "هذا قرارك... أنت مسئول عن نفسك....."، فأنت تقولين له شيئا وتفعلين عكسه تماما (ربما بدون وعي) وللتأكد من ذلك عودي إلى قراءة الرسالة بعين فاحصة وسوف تكتشفين كثرة استخدامك لكلمات: "قلت.. قررت.. جعلت.. بينت.. وضحت... غيرت"
ولن تجدي طول الرسالة أن كامل قد قال أو فعل أي شيء، فهو أشبه بدمية تحركنها طول الوقت، ولو استمر هذا الحال فستجدن كامل شخصية سلبية واعتمادية تماما لا يفعل أي شيء بنفسه أو لنفسه وإنما يحتاج في كل صغيرة وكبيرة لخبراتكن وتجاربكن وتوجيهاتكن ونصائحكن.
والمشكلة ربما لا تكون عند كامل فقط وإنما ربما تكون لديكن أيضا فأنتن في حاجة للاهتمام بأحد إلى هذه الدرجة الوسواسية الخانقة والمعوقة ربما لشعوركن بالوحدة أو لشعوركن بعدم الأمان أو لشعوركن بقلة الحيلة والخوف من المجهول أو لشعوركن بالذنب نحو كامل لأي سبب من الأسباب.
كل هذه المشاعر تسقطنها على كامل –ذلك الطفل– أو الذي تردن أن تبقينه طفلا حتى لو تقدم في السن. وربما تكون حياتكن خالية من المعنى، وهنا يصبح المعنى الوحيد لها هو رعاية كامل والعناية به حتى يصبح رجلا بلا أي عيب وبلا أي معاناة وبلا أي ألم (كما تعتقدن).
الأخت الفاضلة، رجائي أن تتركا مساحة كافية لأخيك كي ينمو وأن تتفرغا أنتن لحياتكن ولا تقوما بإطعامه مرة أخرى، وقد يتوقف هو لفترة عن تناول طعامه كما تردن ولكنه في النهاية سيأكل مدفوعا بالجوع وبالاحتياج الفطري الذي أودعه الله فيه (ولم نسمع أبدا عن أحد مات جوعا لأن أهله توقفوا عن دس الطعام في فمه).
وإذا تعلم هو أن يأكل بيده فسيتعلم أن يذاكر ويفكر ويقرر بعقله وأن ينافس صديقه المتفوق أو على الأقل يغار من تفوقه، وفي مرحلة الانتقال من الاعتماد على إرادته بدلا من إرادتكن سوف يحدث بعض التعثر الدراسي وربما تنخفض علاماته، ولكن الأهم من ذلك أن ننقذه وننقذ إرادته وننقذ شخصيته ونطلقه من هذا الصندوق الزجاجي الذي تحطنه به وتخنقنه فيه من حيث لم تردن ولم تقصدن.
وأهلا وسهلا بك دائما على موقعنا مجانين وتابعينا بأخبارك.