السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا متعبة جدا من حياتي، أحس أني مخنوقة، وأحيانا لا أقدر على التنفس، وهناك ضيق في الصدر.
أنا فتاة في 33 من العمر، ولكن يوميا أمر بمشاكل من والدتي، لا يمر يوم دون مشاكل؛ لدرجة أحيانا أقرر الانتحار من شدة ما بي من مرارة وحزن.
طبعا الانتحار بإبر السكري، وأنجو منها عندما يأتي إخوتي في الصباح، وأحيانا أتذكر ربي في آخر لحظة والعذاب الذي سيأتيني أنا وليس والدتي، يكفي في الدنيا، وأيضا في الآخرة؟ لا أعرف ما الذي تريد فعله بي؟ أصبحت لا أطيق الحياة،
أريد من ينقذني من الدنيا؛ لدرجة أني أصبحت لا أنام، ولم أستيقظ إلا مع دموعي، وكم أتمنى الموت في كل لحظة، وأنا مريضة بالسكري.
ملاحظة: لو يوجد علاج أحصل عليه من الصيدلية؛ لأني لا أستطيع الذهاب إلى المستشفى؛ لأن كثيرًا من معارفنا موظفون في المستشفى، وسيخبرون الأهل ساعتها، وأنا لا أريد أن يراني أحد وأنا في هذا الحال، والعيادات الخاصة تطلب مبالغ كبيرة، لا أستطيع الحصول عليها؛ فهل يمكن من مساعدتي؟
رد المستشار
الأخت العزيزة؛
أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، وشكرا جزيلا على ثقتك.
الحقيقة أن ما ورد في إفادتك إنما يشير بوضوح إلى اضطراب في المشاعر وفي التفكير، فضلا عن معاناة طويلة أشرت أنت إلى ارتباطها بطريقة تعامل والدتك معك، ثم لم تذكري لنا أي تفاصيل عن هذه المعاناة، مع أن المفترض هو أنك تطلبين العون في حل مشكلاتك، ونحن نحتاج إلى كثير من المعلومات حول ظروف تلك المشكلات من أجل أن نستطيع تقديم ذلك العون، لكن الإفادة على قصرها تفجر كثيرا من القضايا المهمة نفسيا واجتماعيا وطبيا.
وصلنا أنك -عافاك الله- مريضة بمرض السكري مبكر البداية Early Onset Diabetes والذي يحتاج المريض فيه إلى إبر الأنسولين، وأنك تعيشين في بيت أهلك، وتصفين نفسك بفتاة في الثالثة والثلاثين من عمرها، ويعني ذلك أنك غير متزوجة أو وحيدة، بشكل أو بآخر. ووصلنا أيضًا أن مشكلاتٍ يومية تحدثُ بينك وبين والدتك دون أن تذكري لنا أي تفاصيل؛ فهل يعتبر عدم التوافق بين ابنة تعيش ببيت أهلها وأمها أمرًا طبيعيا ومألوفا، أم أن هناك سببا تراه والدتك لتحاملها الدائم عليك؟؟ لا نستطيع هنا أن نخمن أكثر من ذلك، ونحتاج منك إلى تفاصيل أكثر.
على أي حال أنت تنعمين بدعم إخوتك؛ فهم يأتون في الصباح للاطمئنان عليك وعلى الوالدة؛ فلماذا لا تطلبين العون منهم؟ ولماذا لا تخبرينهم أو حتى أحدهم عن اكتئابك وعن نزوعك للانتحار؟؟ لأي هدف تحتفظين بذلك السر؟؟
إن من المعروف طبيا أن كلا من السكري والأنوثة عامل خطورة للإصابة بمرض الاكتئاب؛ فقد بينت إحدى الدراسات الحديثة أن نسبة اضطرابات المزاج (الاكتئاب وعسر المزاج) تصل إلى أكثر من 41 بالمائة من مرضى السكري، ومعنى ذلك أن اكتئابك قد يكونُ بسبب المرض، أو بمعنى آخر ليس فقط بسبب سوء تعامل والدتك معك، كذلك من المهم أن تدركي أن أحد عوامل زيادة الخطورة لحدوث الاكتئاب في مرضى السكري هو عدم الانتظام في العلاج، ونحن لا ندري هل أنت تواظبين على العلاج أم لا؟ ويضاف إلى ذلك أن سوء المزاج وتلك المعاناة اليومية المستمرة تؤثر بالسلب على تفاعل الجسد مع مرض السكري مثلما هو مشهور ومعروف.
ثم إن عندنا إشارة في منتهى الخطورة إلى أسوأ ما في الاكتئاب -عافاك الله- وهي الرغبة في الانتحار، وفي حالة مريضة بالسكري المعتمد على الأنسولين تعيش وحيدةً أو في جو أسري مشحون بالمشاحنات مثلما في حالتك يصبح الأمر في منتهى الخطورة. صحيح أنك ما زلت إلى الآن والحمد لله تتذكرين ربك سبحانه في لحظات التهور والانفلات الاكتئابي (والذي يتمثل في اعتراض الشخص المتدين على أمر ربه، وتأتي محاولة الانتحار هنا في قمة ذلك الانفلات؛ فهو اعتراضٌ لا يقبل الجدل على أمر الله سبحانه، كتب الله لك النجاة منه).. إلا أن ممارسة الطبي النفسي في بلاد المسلمين علمتنا أن الاكتئاب الجسيم يسلب الإيمان، وأيضًا يفتح للشيطان، وعليه فإن من الضروري أن تشركي معك من يعينك على الخلاص قبل وقوع ما لا تحمد عقباه.
بقي لنا ما أشرت إليه في الملحوظة في آخر إفادتك، وهو طلبك أن نقدم لك علاجا تستطيعين شراءه من الصيدلية، ولا ندري هل تطلبين علاجا للاكتئاب؟ أم لإعانتك على تحمل مشكلاتك مع والدتك؟ أم لإعانتك على تحمل مرض السكري والاضطرار اليومي إلى حقن الأنسولين؟؟ من الواضح أنك لا تدركين خطورة الموقف رغم قساوته عليك، ونحن في واقع الأمر لا نستطيع وصف عقار يساعدك رغم وجود أكثر من عقار يستطيع مساعدتك بإذن الله، ولعدم استطاعتنا أكثر من سبب:
أولا: نحن لا نستطيع أن نكونَ متأكدين من أن ما تعانين منه اكتئاب جسيم يستدعي علاجا عقاريا؛ فقد يكونُ ما لديك فقط عسر مزاج، وقد يكونُ اضطرابا في سمات الشخصية، وقد يكون ما كتبته لنا مجرد تفريغ لما أحسسته في لحظة انفعال، فليست الرغبة في الانتحار مثلا دليلا قاطعا على وجود اكتئاب، فعندنا أسبابٌ كثيرة كما تجدين في الرابطين التاليين:
الانتحار بين المرض والاختيار: الجزء الأول
الانتحار بين المرض والاختيار: الجزء الثاني
ثانيا: ليس من الصحيح أبدًا أن تختزل طرق التعامل مع حالتك إلى عقار تستطيعين شراءه وحدك من الصيدلية؛ فليس بالعقار وحده يشفى المريض، ومن الواضح في حالتك أن التعامل مع الظروف الأسرية الاجتماعية والتعرف على كثير مما يجعلك متعبةً جدا من حياتك -كما قلت- مهم ومفيد لك، فضلا عن أن تشريح خفاياه بمناقشة المفاهيم القابعة خلف شعورك بالألم النفسي كل هذا يخففُ عنك ويعينك، وهو غير ممكن من خلال الإنترنت.
ثالثا: ليس من الحكمة أن تخفي أنت اكتئابك ورغبتك في الانتحار عن إخوتك خوفا من وصمة المرض النفسي، ولا من الحكمة أن يصف لك الطبيب النفسي عقارا علاجيا دون أن يتعرف على كثير عن حالتك الجسدية حتى يستطيع وصف العقار الأنسب إذا احتاجه، فضلا عن أن وجود الرغبة في الانتحار يعني الحاجة لعقاقير لا يستطيع المريض الانتحار بها؛ فهذا احتمال وارد مع الأسف.
إذن ما ننصحك به وما نستطيع تقديمه هو إرشادك إلى ضرورة فتح الموضوع مع أفراد أسرتك أو من تختارين منهم لكي تبدئي رحلة علاجية قد تطول وقد تقصر حسب ما يراه طبيبك المعالج، كما يمكنك أن تطلبي من طبيبك الباطني الذي تتابعين معه علاج السكري وإحالتك إلى من يثق به من الأطباء النفسيين، ونحن في انتظار متابعتنا بالتطورات.
التعليق: الأخت الفاضلة أسأل الله أن يخفف معاناتك
ولكن بالإضافة إلي ما تفضل به دكتور وائل فإننى أريد التنويه إلي أن غالبية مرضى السكري يعانون من عصبية وردات فعل غاضبة أحيانا وهذا ما رأيناه من بعض الحالات بسبب طبيعة المرض.
لذلك أتمنى لك كل الخير أولا ولكن عليك الاهتمام بنفسك وصحتك أكثر وأن تحاولي التعرف على مزاجك وسلوكك مع والدتك فقد تكون العلاقة السيئة بينكن سببها السلوك الغاضب من إحداكن وردة الفعل عليه من الأخرى.