كيف أتواءم وأتعايش مع طريقة تفكير من حولي؟
أنا فتاة في أوائل العشرينات من عمري، أثرت إعجاب أساتذتي قبل تخرجي بحماسي الشديد وموهبتي وذكائي وتنبأ لي الجميع بمستقبل باهر، وبالفعل استطعت تحقيق جزء من طموحاتي قبل التخرج.
بعد تخرجي تعرضت لكثير من العقبات ولازمني سوء الحظ في العمل ولم أستطع –ربما لاكتئابي وعدم قدرتي على المثابرة والدخول في صراعات لا نهاية لها- تحقيق أيِّ من توقعات من حولي، حاولت وأحاول تحقيق ذاتي، لكنني رغما عني أقع فريسة للاكتئاب والإحباط.
مشكلتي أن أمي -وأنا ابنتها الوحيدة- أصبحت عاجزة عن فهمي!
إنها حتى لا تستطيع فهم معنى أن يشعر الإنسان بالاكتئاب، معنى أن يموت حلم الإنسان داخله. كل ما يشغل بالها في الحياة أن أجيد الأعمال المنزلية لأكون زوجة ناجحة في يوم ما، وكأن ذلك هو الدور الوحيد الذي يجب على المرأة إجادته!
وبالطبع تحدث مشادات وصراعات شبه يومية تنتهي دائما بكوني مخطئة.
إن الفجوة التي بيني وبين أمي تزداد اتساعا لدرجة أنني أشعر أحيانا أنها امرأة غريبة لا أعرفها وكلما ازداد هذا الإحساس لدي وانعكس في تصرفاتي وفي بعدي عنها ازدادت لديها الرغبة في توجيهي والسيطرة علي، بل وفرض رأيها بشتى الوسائل لأن ما تراه هو الصحيح وهى ترى ما لا أرى وتفهم ما لا أفهم وليذهب رأيي للجحيم! الغريب أن أمي لم تكن كذلك منذ عدة سنوات، ربما لأنني في تلك الفترة كنت قليلة الاعتراض، أنظر إليها على أنها امرأة أسطورة لا تخطيء أبدا! لا أعلم!
إن أمي تعتقد أن مجرد وقوعي فريسة للاكتئاب هو ذنب لا يغتفر مما يحولني لمتهمة تحاول الدفاع عن نفسها باستماتة ولكن بلا جدوى!
فكيف ولماذا أكتئب؟ وأنا الفتاة المدللة-في وجهة نظرها بالطبع. أأكتئب لأنني فشلت في عملي؟ لأنني لم أحقق ذاتي؟ لأنني فشلت في الحب وُخدعت أكثر من مرة ممن أحببت؟
الحياة لا تقتصر على العمل والحب فقط! هذا ما تعتقده أمي العزيزة!
لقد حاولت كثيرا تفسير اكتئابي المستمر ولكنها حتى لا تتقبل الفكرة. وبدلا من محاولة مساعدتي لتخطي أزمتي تبدأ في الهجوم عليَّ عن طريق مقارنتي بغيري ومن هم أقل مني وبالطبع بناء على حكمها الصائب دائما أكون أنا مخطئة وأن الشعور الذي يجتاحني هو جريمة لا تغتفر، فما يواجهني من إحباطات لا يوازي شيئا إذا ما قورن بما يحدث للشعبين العراقي والفلسطيني!
إنني أحاول دائما أن أتجنب النقاش وأن أخفي ما أشعر به وبل وأحاول التظاهر بالرضا مما يزيد من شعوري بالاغتراب، إنني أشعر أن روحي محاطة بأسوار من حديد، تطبق على أنفاسي، تمنعني من الحياة، من التفكير، من الإبداع.
لقد تحولت إلى شخصية ملولة، كسولة غير قادرة على أداء أبسط الأعمال، غير قادرة على مواجهة صراعات الحياة. إنني أشعر أن روحي تموت ببطء شديد.
أعلم أنني أدور في دائرة مفرغة وأن شيئا لن يتغير، ولكن هل يمكن التخلص من هذا الإحساس أو التعايش معه؟ هل يمكن أن يحدث انسجام بين روحي ومن فرضهم على القدر ليكونوا أهلي؟
هل يمكن أن أتخطى أزمتي -التي تشتد كلما عجزت أمي عن تفهم وإدراك أحاسيسي- وأصبح منتجة في ظل الشعور بعدم الاستقرار في المكان المفترض فيه الشعور بالراحة والأمان؟
23/04/2004
رد المستشار
الأخت العزيزة، أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين وشكرا جزيلا على ثقتك، نعم بإذن الله من الممكن جدا أن ينعم الله عليك بالخروج من هذه الأزمة ولكن عليك أن تسعي في طلب العلاج، وأما التعايش مع الشعور بالاكتئاب أو عدم الأمان وفقدان الاستقرار فأمرٌ مرفوضٌ من وجهة نظرنا! لأنه يعني استغلالا أقل لقدراتك وتحقيقا أقل لطموحاتك.
من الواضح يا عزيزتي أن المشكلة عندك تتمحور بشكل خاص حول دور والدتك في حياتك وعلاقتها بك ورأيها في أحوالك وأفعالك، وإصلاح علاقتك بها يمثل جزءً مهما من علاجك، وعسى أن يكونَ هذا ممكنا من جهتها، لأنني أعتقد أن لديها بعض المفاهيم التي تحتاج إلى تغيير إن كانت مستعدة لذلك.
أما فيما يتعلق بمعاناتك فإن المعلومات التي قدمتها لنا مع الأسف لا تكفي لتشخيص اضطراب الاكتئاب الجسيم، فقد تكونُ المعاناة كلها ناتجة عن عسر مزاج، والفيصل لا يكونُ إلا بالمقابلة الإكلينيكية المباشرة مع الطبيب النفسي، وأختلف معك بداية في العنوان الذي اخترته لإفادتك وهو: (كيف أتواءم وأتعايش مع طريقة تفكير من حولي؟)
فأنت مطالبة أولا بطلب العلاج وثانيا بمحاولة التغيير.
ومن المهم أن تعرفي أن الإحباط يختلف عن الحزن وعن الاكتئاب فبينما يعبر الإحباط عن شعورٍ يشبه خيبة الأمل عندما نعجز عن الوصول إلى ما عملنا لأجله، أي عند الفشل في الوصول إلى هدف أو عندما يخيب أحد الأشخاص ذوو الدلالة توقعاتنا منه إلخ وبذلك يكونُ الإحباط خبرةً بشرية يعرفها كل إنسان وتكاد تكونُ يومية خاصة في بلادنا.
وأما الحزن فهو المزاج السيىء الذي نعرفُ سببه أو مسبباته وهو إحساس عابرٌ في معظم إن لم يكن كل الأحيان، وأما الاكتئاب فموضوع مختلف وفي أكثر الأحوال لا نعرف له سببا ونكون منه متأكدين، ويمكنك أن تعرفي المزيد عن الاكتئاب وعن عسر المزاج من تصفح العناوين التالية من على موقعنا مجانين:
عسر المزاج والاكتئاب
الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج
اللا مبالاة هل هي اكتئاب ؟
علاج الاكتئاب المعرفي : فتح الكلام :
التفكير النكدي
الاكتئاب الجسيم وماذا بعد
وهناك نقطتان مهمتان تفجرهما إفادتك ضمن ما تفجر من نقاط:
أما الأولى فتتعلق برؤية الأم لسلوك ابنتها وقدرتها على احتوائها فمن الواضح أن خللا كبيرا قد أصاب المرأة العربية في السنوات الأخيرة فالشكوى من طريقة تعامل الأم مع ابنتها زادت بشكل لافت للنظر ويمكنك أن تجدي أكثر من مناقشة لهذا الموضوع على صفحتنا استشارات مجانين تحت العناوين التالية:
"أمي سبب بلائي وشقائي"
نفسي في أم غيرها : أخي بكل احترام وأنا بالجزمة
للصبر حدود : أفيقي يا أمنا العربية !
واقرئي أيضًا من على موقعنا مجانين مقالة:
سيكولوجية الفتاة العربية
إبحار الأجيال وتعاقب الأمواج البناءة ::
وأما النقطة الثانية فتتعلق ببحثك عن سبب للاكتئاب ومحاولتك تفسيره، وكذلك بموقف والدتك أكرمها الله من مشاعرك الاكتئابية (هذا إن صح أنه اكتئاب)، ففضلا عن أن أسباب الاكتئاب غالبا ما تكونُ مجهولة كما ذكرت لك من قبل، أو أننا لا نجد ما يكفي لتسبب كل ذلك الاكتئاب في حالة بعينها، فإن موقف الأم المحبط وغير الداعم بل والساخر والعاجز عن الاحتواء إنما ينبع مع الأسف من نفس التربة التي تنبت عدم فهم الاكتئاب كمرض وعدم القدرة على فهم علاقته بالقوة وبالإيمان، فهناك مفهوم مغلوط شائع عند كثيرين من أن الاكتئاب يعني ضعف الشخصية أو ضعف الإيمان وقد ناقشنا هذه النقطة ضمن باب الطب النفسي شبهات وردود على موقعنا مجانين تحت عنوان:
اعتقاد البعض أن المرض النفسي لا يصيب المؤمن القوي!
ومهم أيضًا أن تقرئي من نفس الباب: العلاج النفسي مجرد كلام ×× كما تجدين على صفحتنا استشارات مجانين ردا بعنوان:
أبو حامد الغزالي يعاني الاكتئاب
أردت من كل ما أحلتك إليه يا عُزيزتي تزويدك بمادة تستندين إليها في نقاشك مع والدتك لإقناعها بحاجتك إلى العلاج لدى الطبيب النفسي، وأختلف بشدة معك فيما أعتبره استسلاما لا داعي له ولا تسامح فيه وهو ما يظهر من قولك: (إنني أحاول دائما أن أتجنب النقاش وأن أخفي ما أشعر به وبل وأحاول التظاهر بالرضا مما يزيد من شعوري بالاغتراب، إنني أشعر أن روحي محاطة بأسوار من حديد، تطبق على أنفاسي، تمنعني من الحياة، من التفكير، من الإبداع) فهذا سكوتٌ عن طلب العلاج والمسلم مأمورٌ بطلب العلاج.
كما أختلف معك في قولك الذي أراه يعمق الفخ الذي تشاركين في تعميقه حول نفسك حين تقولين: (لقد تحولت إلى شخصية ملولة، كسولة غير قادرة على أداء أبسط الأعمال، غير قادرة على مواجهة صراعات الحياة، إنني أشعر أن روحي تموت ببطء شديد.)
ما يجب عليك فعله إذن هو فتح النقاش لا الهرب منه واللجوء بعد الله إلى أقرب طبيب نفسي متخصص ليبدأ العلاج من خلال برنامج العلاج الذي يراه مناسبا لحالتك بملابساتها كلها سواء كان ذلك العلاج سلوكيا معرفيا أو متعلقا بعلاقاتك بالآخرين وربما احتاج الطبيب النفسي إلى الاستعانة أيضًا بالعقاقير، ولكن ذلك كله ينبغي أن يتم بعد تقييم مباشر للحالة.
وأهلا وسهلا بك دائما فتابعينا بأخبارك.