وساوس خالصة: تفكير سحري وتنطع أصيل!
حضرة الأستاذة رفيف الصباغ المحترمة، أما وبعد؛
ترقّبت إجابتك بكل حماس ولكنّها كانت متوقّعة، فأنا كنت أشعر مسبقا أن أفكاري السحريّة هذه "ستستفزّكم" وتغضبكم بسبب سخافتها ولكن والله وكما تعلمين جيّدا أنّها تسبب لنا معاناة صعبة صعبة المهم الآن، أنا إنسان مضطّرب نفسيّا ولدي عدّة اضطرابات وما أجمل الاعتراف ومن اليوم الأوّل لمعاناتي وبصيرتي شبه سليمة (وطبعا تابعت مقالات "الوسواس والبصيرة" للدكتور العزيز وائل الذي كنت دائما أتمنّى من قلبي أن أقرأ ردّا ولو مقتضبا منه على اسستشاراتي)،
المهم الآن أنا أريد أنا أتعالج ولا شيء يمنعني، لا وصمة عار ولا من يحزنون، ولكن نعم، المال هو عائقي الأساسي لأنّ كلفة العلاج في الإمارات عالية جدّا (إن كانت لدى الطبيب النفسي أو المعالج النفسي) وأنا الآن أنتظر ردّا من شركة التأمين إذا كانت تغطّيه ولكنني لست متفائلا فكلّنا نعرف شركات الـتأمين وسياساتها تجاه الصحّة العقليّة والنفسيّة فإذا كان الردّ سلبيّا، فلا حول ولا قوّة، الدفع سيكون من راتبي الذي "شو بدّو يتحمّل ل يتحمّل" (غربة وبدل سكن وادّخار ومساعدة الأهل الأحبّاء...)
على العموم، اسمحي لي بأن أقسّم متابعتي لشقّين، شقّ أوّل وهو موضع جد حسّاس بالنسبة لي ومما لا شكّ فيه أن الوسواس لعب دورا أساسيّا فيه وكما أن معاناتي بدأت من هذا الحدث بشكل أساسي، والشق الثاني وهو درب الخلاص، أي العلاج الفعّال الصادق المتلوّن بإرادتي للتغيير ولو تأخّرت عدّة سنوات.
قبل البدء، أعتقد أنّه من المفيد، لفهم خلفيّتي، أن أحيلك إلى استشاراتي السابقة مع الدكتور المحترم مصطفى السعدني الذي أعتذر منه سلفا إذا كنت قد خيّبت أمله بعدم العلاج، ولكنّه وعلى المقلب الآخر، سيفرح حتما عندما يعلم أنني وبفضل الله، الإرادة الصادقة ونفسي التوّاقة إلى الحياة، استطعت أن أتخرّج من الجامعة بإجازتين وأنا الآن أعمل في وظيفة ثابتة في دولة الإمارات منذ حوالي التسعة أشهر حافظت أيضا على حياة اجتماعيّة مقبولة نسبيّا من علاقات جيّدة بالأصدقاء والعائلة الكبيرة، كما أنّ علاقتي بالوالد العزيز تحسّنت كثيرا (الاستشارة الأساسيّة) كلّ ذلك بالرغم من وجع الفراغ العاطفي والنفسي، تقلّبات المزاج والوساوس "السحفكريّة" (أي نعم ونص، أفكار سحريّة) المتنوّعة.
1) أستاذتي رفيف، هذا وعند تخرّجي من المدرسة، تقدّمت بطلب الانتساب إلى الجامعة الرسميّة الوحيدة في بلدي الحبيب، ومن مستلزمات القبول في الكلّيّة هو إجراء امتحان دخول لعدد كبير من المتقدّمين، ولكي أكون صريحا معك، لقد حضّرت للامتحان قليلا جدا أي ليس كما يجب (أي لم أدرس كثيرا) وممكن أنّني لم أحضّر مطلقا! (لا أذكر، ذاكرتي مشوّشة) عموما، وبعد إجراء الامتحان، تتدخلّ الواسطة هنا وهناك لتقديم قبول هذا عن ذاك لم أكن موسوسا في ذلك الوقت رغم جرحي النازف من مراهقتي (تفاصيلها في الاستشارة الأساسيّة) فلم أجد أي مانعٍ أخلاقيّا من طلب الوساطة لتقديمي على غيري، علما أنني، وحسب ما أذكر، قلت حينها أنني أريد أن أستفيد من الواسطة في التقديم فقط في حال نجحت فعلا في امتحان الدخول، ولكن هذا الكلام لم يصل إلى الوسيط وفي نهاية المطاف، تم قبولي في الكلّيّة وبدل أن أفرح، تلقيت لكمة الوسواس الأولى!
"ماذا لو أنا رسبت في امتحان الدخول ولقد تم تقديمي على شخص جدّ وحضّر جيّدا ودرس وتعب؟!" يا الله ما أصعب المعاناة وتأنيب الضمير، وما ضاعف المعاناة هو عدم نشر الكليّة لنتائج الامتحانات! مرّت الأيام وفعلت المستحيل لمعرفة نتائجي (نعم، من براعم أفعالي القهريّة!)، وفعلا لقد عرفت نتيجتي وهي ناجح (فوق المعدّل بقليل) وقال لي المدير حينها أنّهم اضطّروا إلى تخفيض معدّل النجاح لقبول عدد أكبر من الطلاب (الملاحظة فقط، ذاكرتي مشوّشة هنا أيضا وأشكّ في تذكّر ما قال لي المدير حينها، كما وأشكّ في نجاحي أيضا!).
المهم، هل تتوقعين من الوسواس أن يرضى ويخرس؟ طبعا كلا... فحسنا ربّما فعلا قد نجحت، ولكم وبما أنّهم يقبلوا الطلاب بشكل تنازلي (أي من أعلى سلّم معدّلات النجاح ونزولا) وهناك عدد محدود، لربّما الواسطة قد قدّمتني على شخص نجح أعلى منّي ويستحقّ مكاني، أليس كذلك؟ هذه حالتي وشو بدّي خبرك، لوم وتأنيب ضمير وحزن وكره لما فعلته وذلك مستمر منذ 5 سنوات (وإن خفّ لمدّة سنتين أو أكثر بقليل)، وما زاد حدّة المعاناة هي الأفكار السحريّة مثلا: "دخولك الجامعة كان باطلا، علمك حرام، عملك لاحقا حرام، كل ما يبنى على باطل هو باطل، كلّ حياتك باطلة ولا يمكن تصحيح ما فعلته أبدا!!!".
ما الحل؟ هل يمكننا أن نضع الوسواس القهري جانبا وتحاورني على أنّني إنسان سليم؟ لو كنت شخصا عاديّا، بماذا كنت سأشعر؟ كيف أتخلّص من هذا الحدث "المؤلم" بالنسبة لي (نفسيّا، أخلاقيّا ودينيّا)؟ لأنّه وبغضّ النظر عن الوسواس، لن أكرّره ولو على جثّتي لأنّه غير أخلاقي أنا الآن لم أعد قادرا على المقاومة وبدأت تترسّخ فكرة "بطلان علمي وعملي وكل حياتي" في اللاوعي عندي وهذا ما أخاف منه كثيرا... ولنفترض أسوأ الأحوال، لنفترض أنّني رسبت والواسطة أتت وأدخلتني! ما الحكم الأخلاقي (أوّلا) والديني في هذا الافتراض؟ وماذا يترتّب عليه من أي علم وعمل ومستقبل؟ أعرف أن الأسئلة كثيرة في هذا الموضوع ولكن أرجو أن تتفهّمي معاناتي في هذا الشأن تحديدا.
لن أدخل بموضوع حصولي على العمل بالواسطة أيضا لأنّه مختلف، فواسطتي كان أخي والوظيفة عاديّة جدا وأنا حامل إجازتين، وأقوم بواجبي على أكمل وجه (رغم الوسواس الذي يأتي من الحين إلى الآخر والقائل: "ماذا لو أيضا كان هناك شخص ينتظر هذه الوظيفة وبسبب واسطة أخاك تم تقديمك ولم تعرف عنه شيء وهو يستحقها أكثر منك؟").
2) والآن نصل إلى برّ الأمان، أريد جديّا العلاج، أنا مطّلع بشكل كبير على معظم العلاجات الموجودة من عقاقير (على أنواعها، كما استعمالاتها، تعارضها وعوارضها الجانبيّة) ومن علاجات نفسيّة كالمعرفي السلوكي، التعرّض ومنع الاستجابة، الحوار الخاص بالشخصيّة الحديّة (ولكنني طبعا لست بطبيبا ولكن تبقى المعرفة نعمة)... ولكي أكون واقعيا، أنا سأفعل المستحيل لتحمّل تكلفة الطبيب النفسي والأدوية (إذا خذلني التأمين)، ولكن تكلفة المعالج النفسي والجلسات المتتاليّة باهظة جدا، فهذا طبعا محزن لأنّ العلاج سيكون ناقصا ماذا تقترحون في هذا المجال؟
حسب متابعتي، وجود الشخصيّة الحدّيّة يصعّب من علاج الوسواس القهري، أليس كذلك؟ وبما أنّني لا أعاني كثيرا من الأفعال القهريّة، فأنا متفائل بإمكانيّة تأثير الدواء على الوساوس الخالصة الفترة الزمنيّة التي استعملت فيها الأدوية في الماضي (متابعة 2) كانت فعلا قصيرة وأنا مؤمن الآن أنّ علي تجربة الدواء لثلاثة أشهر على الأقلّ (فالوسواس القهري يحتاج إلى جرعات أعلى ووقت أطول لكي يأخذ الدواء مفعوله)، ولكن يبقى وجود الشخصيّة الحدّيّة يقلقني من التأثير على مفعول الدواء سلبا... بالنسبة لأي عوارض جانبيّة (أو انسحابيّة لاحقا)، فأنا أتوقّع أي شيء ولكن هل الم.ا.س والم.ا.س.ا، أدوية تثبيط المزاج أو الذهان (في حال وصفت لي) تؤثّر على الشعر وتساقطه كعارض جانبي؟ لأنّ شعري صراحة عزيز على قلبي ويصل طوله إلى وسط ظهري، فهو جزء من شخصيّتي... حسب الملاحظات الإكلينيكيّة، هذا قد يحدث، ما هي ملاحظاتكم أنتم؟
أما وبإذن الرب إذا حدث أي تحسّن من الأدوية، فأنوي إعادة مزاولة وتطبيق العلاج النفسي الذاتي الخاص بالدكتور جفري شوارتز، فمجرّد تسمية المرض باسمه وتعليل سببه يقلّل من أهميّة الوساوس، أو عفوا أستاذ وائل ومن بعد إذنك، يقلّل من أهميّة "الأحداث العقليّة التسلّطيّة"، ولكن المشكلة الآن أنّني عاجز عن أي مواجهة ومقاومة ممّا قد يبرّر لي ربّما لجوئي إلى الدواء، فكما ترين سيّدتي، الأفكار السحريّة أكلت دماغي ووصلت إلى "الأميغدالا" أو لوزتي الدماغيّة (كناية عن حزني واكتئابي طبعا).
المستشارة المحترمة رفيف وكل طاقم مجانين، دوركم الإرشادي (وليس العلاجي طبعا) سيبقى غاليا على قلوبنا، وأنا معجب بكتابات الأستاذ وائل وأتمنّى أن أتعالج عنده شخصيّا جلّ ما أريده هو أن "تحلّ" عني الأفكار والانجرارات العقليّة التسلّطيّة وأن أعود إلى هواياتي واهتماماتي من كتابة الشعر والعزف على الغيتار وتعلّم اللغات وعدم الشعور ب"الانعزاليّة العقليّة" عندما أجلس مع أناس جدد في حياتي... وكما أتمنّى من قلبي أن أجد حلاّ لمشكلتي الأولى أعلاه (واسطة الجامعة) صدّقوني أنا إنسان لا أسعى إلاّ إلى الخير والأخلاق.
سلامي من قلبي النازف إلى الجرح الأكبر، جرح العراق وسوريّا ومصر وكل الأمم المقهورة، سلام سلام سلام،
شكرا.
31/10/2013
رد المستشار
لم تستفزني وساوسك ولم تغضبني.....، أردت فقط أن ألفت انتباهك إلى سخافتها وتفاهتها...
رجعت إلى استشاراتك السابقة، ولم تضف –في شأن الوسواس- شيئًا جديدًا وإنما تأكد لي قضية الكمالية المطلقة التي تنشدها (100%)، وإما أبيض أو أسود.....، أقصى اليمين، أو أقصى اليسار ولا وسط بينهما!!!
لهذا رأيتني أستفزك عمدًا بعبارة (99,99%)!!!
يكفي أن تكون الفكرة مرجوحة (أقل من 50%) وفي حيز الظن أو الوهم حتى ترفضها...، لا تحتاج لأن تكون غير منطقية 100%!!!
ماذا لو كانت: 99% أو 99,99%؟؟؟ هل تقبلها؟ هل تناقشها لتثبت هل هي صحيحة أم لا؟
نقاشك لفكرة صحتها 0,001% ، حيث لم تجدها باطلة 100%، هو الوسواس بعينه!
وكما طلبت مني..... سأترك الوسواس جانبًا، وأعتبرك شخصًا غير موسوس...
لو جاءني أي شخص -علمت عنه شيئًا أو لا- يسألني عن قضية انتسابك للجامعة والواسطة..... إلخ سأجيبه كما كان يجيب أساتذتي ومشايخي في الكلية من كانوا يسألونهم.....
سؤال كان يتكرر كثيرًا: أنا غششت في امتحان الثانوية، ودرجاتي كانت ستكون أقل لو لم أغش...، هل دخولي إلى الجامعة حرام؟ وهل دراستي حرام؟ وهل شهادتي حرام؟ وهل مالي بعد ذلك حرام؟؟؟؟
هذا لا يختلف عن سؤالك (وإن كان ليس مطابقًا له 100%)..!! كان الجواب: حرمة الغش لا علاقة لها بدخول الجامعة، يكفي أن تندم وتستغفر على ما كان، ودراستك حلال وراتبك غدًا حلال....
نفس الشيء: في أسوأ الأحوال، لنفرض أنك لم تنجح، وأنك أخذت مكان غيرك ممن هو أجدر منك...، ليس عليك إلا الاستغفار والندم، والندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له....، أما نيلك للشهادة، وعملك بموجبها فلا تطاله واسطتك الأولى...
انتهى كل شيء عند هذه النقطة: غفر ذنبك، وابتدأت صفحة جديدة لا علاقة لها بالماضي...
ركز الآن على حاضرك وكيف ستبني عليه مستقبلك.....، لأن الماضي رحل وانمحى وزال...
الشخص العادي يقف هنا، وينسى ويبدأ صفحة جديدة... والموسوس يبقى في دوامة: (ماذا لو؟)...
فمن (ماذا لو؟)... إلى (ماذا لو؟)... تبقى تدور في فلك الفكرة الوسواسية، وتبقى على وجل من حرمة: دراستك...، شهادتك...، عملك...، وسائر أعمالك!!!
أنا قد أخبرتك بالحكم أنه لا علاقة للواسطة بحل دراستك، أو شهادتك أو عملك.... وفعلت ما علي...، وعليك أنت التصديق والكف عن التساؤل والنقاش....
أما الشق الثاني من السؤال فسأحيله إلى د.وائل، فلا علم لي به.....، وأتركك في رعاية الله وحفظه.
* ويضيف د. وائل أبو هندي المتصفح والصديق القديم لمجانين أهلا وسهلا بك، قرأت استشاراتك على عجل لأني قرأتها من قبل، وحقيقة وجدت لديك أكثر ما وجدت تنطعا حيث تتعمق كل شيء باحثا عن الاطمئنان 100% والكمالية وكثيرا من الصفات المذمومة في مريض الوسواس، أما وجود الثناقطبي أو الشخصية الحدية أو البينية فرغم كونه يجعل العلاج أصعب، وكما قال لك أ.د مصطفى السعدني "بالنسبة لأعراض اضطراب الوسواس القهري لديك فهي كثيرا ما تحدث مع أصحاب اضطراب الشخصية الحدية أو البينية، وتواجدهما معا في مريض واحد كما ذكر كثير من المتخصصين في علاج الوسواس يزيد من صعوبة علاج اضطراب الوسواس القهري، وهذا يتطلب منك ومن طبيبك المعالج الصبر وطول البال على العلاج النفسي وعلى العلاج الدوائي بالعقاقير"..... أتمنى أن ييسر الله لك طريقك، وتابعنا بالتطورات الطيبة.
ويتبع >>>>>: وساوس خالصة: تفكير سحري وتنطع أصيل م1
التعليق: شكرا على الرد يا أستاذتنا الكريمة.
بالنسبة للشق الثاني من السؤال, أرجو منك يا أستاذ وائل أن لا تبخل علينا بالقليل من الوقت وتوضيح الشق العلاجي.
ما هي خطّة العلاج الدوائيّة التي قد تضعها لمريض في مثل حالتي؟
أريد فقط مناقشتها مع طبيبي المستقبلي.