الماضي المؤلم و الحاضر الضائع
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته؛ أود أولاً أن أبعث تحية تقدير و احترام ومحبة إلى كل العاملين في موقع مجانين.
أنا فتاة جامعية أتممت عامي العشرين منذ 3شهور مضت أكتب إليكم وكلي أمل أن تكونوا ملاذي مما أعانيه والحقيقة أنني أحاول الإرسال لكم منذ فترة ولكنني لم أُوفق لذا أرجو أن يتسع صدركم لمشكلتي نظرا لطولها وكثرة تفرعاتها إضافة إلى خجلي من نفسي وأنا أرويها.
كنت الحفيدة الأولى لعائلة أمي والابنة الأولى لأبي الذي هو أكبر إخوته فحظيت ولازلت بكم كبير من الاهتمام والتدليل كما يقولون لي دائما لكنني للأسف لا أذكر ذلك كله فذاكرتي تبدأ من عامي التاسع ذلك اليوم الذي عرّفنا أبي فيه على عائلة صديقه الحميم طبيب النساء والولادة وكانت له ابنتان في مثل سني. وأصبحنا أصدقاء ثم ذلك اليوم الذي ذهبت فيه لّلعب والمبيت معهم.
ونام الجميع وجاء الأب صديق أبي لينام جواري ثم يوقظني ليلعب معي ويدللني كما قال ولم أكن أدري أن تلك الحركات هي بداية ما تسمونه بالتحرش الجنسي. ثم عندما أخذني ليوصلني بسيارته وذهب بي إلى عيادته مدعيا حججا وهمية ويغلق علينا باب حجرة الكشف ليختلي بي ويتجرد من ملابسه أمامي ويحاول اغتصابي و أنا أقاومه تارة وأبكي وأصرخ ولا أحد ينقذني وصدقني تخونني ذاكرتي في تفاصيل ما حدث ثم استنجادي دائما بأبي ألا يتركني بمفردي عندهم أو لا يسبقني على السلالم وهو معنا، ثم مكالماته لي وهو يحادثني بكلمات لا أفهمها ملخصها وحشتيني أحبك وإلى ذلك ومجيئه إلى بيتنا وهو يعلم أنني بمفردي وأبى وأمي في العمل فأغلق جميع الأقفال وادعى أنهم أغلقوا الباب بالمفتاح. يتملكني الخوف والرعب الشديدان ولا أدرك ما يحدث إلا عند قراءتي لحادثة فتاة العتبة بالجرائد ومثيلاتها فأدرك أنه الاغتصاب وثم تتوالى الأحداث وأسمع من أحاديث أبي وأمي أنه معروف بمغامرته تلك وأرى زوجته تأتي هاربة من تصرفاته وقذارته لتقيم عندنا أرى كل ذلك وأنا أتعذب وحدي أواجه الكوابيس والألم وحدي.
وأبي يأتي به ليسهر عندنا كل يوم في وجود أمي وغيابها وفقدت الشعور بالأمان وكرهت كل الرجال حتى أبي كنت أخاف من اقترابه مني أو تقبيله لي وتمضي الأيام ويسافر أبي ليعمل بالخارج وتحدث مصيبتي الكبرى وتتكرر نفس المحاولات ولكن من من؟ عمي الأصغر الشاب في أوائل العشرينيات من عمره ولا أحد ينجدني منه سوى مقاومتي وهروبي ومعاملتي السيئة له أحيانا أو تذللي له ليتركني و شأني حتى توقف عن ملاحقتي وأنا بالصف الأول الثانوي.
ويتضاعف شعوري بالكراهية والخوف وعدم الأمان ويتنامى بداخلي إحساس عجيب بأنني أستطيع إذلال أي رجل إذا جعلته يحبني أو يريدني وبأنني دائما سأكون الأقوى طالما أوقعت أي رجل في شباكي كما أنني أيقنت أن أي رجل مهما كانت قوته وشخصيته هو ضعيف أمام شهوته وأدمنت رؤية أي رجل ضعيف لكنني ظللت على خوفي الشديد منهم ونظرتي إليهم بأن دائما مطلب الرجل هو الجنس لا غير.
وكنت أخاف الزحام وأشعر دائما بالرعب في أي مجتمع يتواجد فيه رجال وطبعا دخلت لفترة في دوامة ما يسمى بالعادة السرية لكن الحمد لله رحمني ربي بالتخلص منها والتوبة لكنني دائما أحببت أن أشعر بالاهتمام من الجميع ودون أن أبذل في ذلك أي مجهود ودون حتى محاولة مفتعلة بلفت الانتباه وكنت لا أطيق الشعور بالتجاهل من أي شخص ربما لأنني لست برائعة الجمال لكن شعورا بداخلي كان يقول لي أنني أستطيع أن أنال اهتمام من أردت وقتما أردت بقليل من الاهتمام وإبداء الضعف النسوي أمام الجبروت الرجالي حتى ينهار الشاب ويعترف بأنه أحبني هنا تكون لحظة انتصاري وقوتي فأتركه غير آسفة عليه لأنه فشل في الصمود أمامي لذلك فهو كبقية الرجال لا يستحق الاحترام.
وطالما استهوتني الشخصيات القيادية أو المغرورة أو حتى الملتزمة من الشباب وأعترف أن نسبة كبيرة منهم أحبوني بالفعل لكنني كنت أكرههم جميعا وأحتقرهم مع أنني تمنيت أن يخيب ظني في أحدهم وأن يصمد وأن يلتزم بمبادئه أو تدينه أو حتى يكون أفلاطونيا في حبه غير عابىء بأي أشياء أخرى مقززه كما أُعتبر أنا مثل التلامسات الجسدية وكنت أرى أن الجنس هو أسوأ شيء في الوجود ولا أطيق أن أشعر بأن أبي وأمي بينهم علاقة خاصة بل وأستعمل جميع الوسائل كي لا يغلقوا عليهم باب حجرتهم أو يختليان كنت أوقن أنه لابد أن أمي مجبرة على ذلك وأن أبي يجبرها على الخضوع له وأن أمي أكبر وأفضل من أن يكون لها رغبات خاصة.
حتى قابلته في الجامعة ذلك الشاب جارى المشهور بالأخلاق الحميدة والسمعة الحسنة أخبرني أنه يحبني فرفضت مشاعره لكنني اعتمدت عليه في كل أمور حياتي ولأول مرة أشعر أمامه بأنني ضعيفة أو أنني طفلة صغيرة تتعلم منه تعلقت به جدا كعادتي.
نسيت أن أخبركم بأنني شديدة التعلق بالأشياء والأشخاص وأن ذكرياتي الحلوة دائما تعذبني. أحببته نعم لكنه ككل رجل له متطلبات أخرى وإن كانت بسيطة لكنني والحمد لله نشأت في بيت ملتزم ومتدين وعلاقتي بربي موصولة دائما كما أن خوفي القديم حماني من أي تنازلات أو أي خطأ لكنني لا أتصوره لا هو ولا أي أحد غيره زوجا لي وأشعر برعب شديد من فكرة الزواج لكنني فعلا أتمنى أن أرتبط بشخص ما يحبني ويحميني في مرضاة الله لكن الخوف أصبح يسيطر على كل حياتي وهواجس تلاحقني بأنني عندما أتزوج لابد أن زوجي سيخونني مع أخرى وأنه سيضعف أمام إغراء امرأة مهما كان تدينه أو حبه لي وأنه لابد أنه سيتغير في معاملته لي,..
أخاف جدا من الزواج وأكره الرجال وأخشاهم أحيانا، والآن هناك أحد زملائي في الكلية يحبني جدا وحكايتي معه تبدأ كما هو الحال في كل الحكايات الأخرى أرجوكم لا تسيئوا الظن بي فقد تبت كثيرا بل ونويت أن أوافق على شاب ممن يتقدمون لخطبتي وأكون سعيدة في بداية الموضوع لكنني عند اللحظة الحاسمة أرفض بشدة ويتغير موقفي وأبكي بشدة وأشعر بأنني لن أستطيع الزواج بإنسان غريب عني.
أفقت على إحساس مؤلم بأنني ظلمت الكثير في السنوات التي بحثت فيها عن الاهتمام الموعود وبأنني ظلمت نفسي أنا ضائعة أدخل في نوبات حزن وبكاء طويلة وتطاردني الكوابيس أمي تتهمني دائما بأنني شخصية كئيبة أميل للحزن وبأنني غير حمولة وكسولة أشعر بنهم كبير للأكل، في حالات الحزن وعندما يسيطر علي الاكتئاب أشعر أنني أريد أن آكل وآكل وآكل ولن يخرجني من حالتي إلا ذلك كما أنني لا أستطيع الاستغناء عن المشروبات بمعدل عال جدا بالذات في فترات الامتحانات أنا الحمد لله متفوقة جدا في دراستي العلمية ومحبوبة لكنني أشعر بالفشل في تكوين علاقات اجتماعية سوية كما أشعر أحيانا بأنني إنسانة خائنة ولن أستطيع أن أتزوج وأفي لزوجي.
أعرف أنني مريضة وأتمنى الموت وإذا طلبتم مني الذهاب لطبيب نفسي فأرشدوني كيف ومن؟؟ فأنا في محافظة من محافظات الأقاليم وليس لدي الثقة بأي شخص وهل يقبل دكتور وائل أن يتولى حالتي إذا استطعت القدوم إليه من محافظتي وهل أطمع في أن أتابع معكم أخباري وباقي حيرتي التي تفسد حياتي.
23/04/2004
رد المستشار
أرحب بك على صفحة الاستشارات، يقول الدكتور مصطفى زيور رائد التحليل النفسي في العالم العربي: إذا عرفت استطعت فالمعرفة نصف الشفاء. ويعني بذلك أن بداية العلاج النفسي هي معرفة أسباب المرض وقد حققت الخطوة الأولى وهى خطوة ضرورية ولكن ليست كافية، أما الخطوة الثانية فتتطلب العلاج النفسي مع متخصص. سأرد فيما يلي على مشكلتك ولكن هذا لا يقلل من حاجتك للعلاج.
رؤيتك لكل الرجال على أنهم سيئين واهتمامهم هو بالجنس فقط ما هو إلا طريقة غير عقلانية في التفكير، أو يمكن أن نسميه "التعميم" فأحياناً نمر بخبرة صعبة تجعلنا نعممها على مواقف أخرى أتذكر أنني قابلت آنسة تُوفي والدها في مستشفى فقالت لي أن كل المستشفيات بها قدر كبير من الإهمال، ولكن الحقيقة أن وجود طبيب مهمل لا يعني بالضرورة أن كل الأطباء مثله ووجود رجل شاذ كالذي قابلته في طفولتك لا يعني أن كل الرجال كذلك.
فالحياة فيها الخير وفيها الشر منذ بدء الخليقة وإلى يوم الدين ففي بداية الحياة على الأرض قتل قابيل أخاه هابيل وهذا معناه أن الشر موجود منذ بداية الحياة ولا يعني أن الخير لم يكن موجوداً. ويقول الرسول (ص): "لا يزال الخير في أمتي إلى يوم الدين" وهذا دليل على أن الخير موجود وسيبقى إلى الأبد.
وأقصد بذلك الحياة كلها قائمة على الأضداد فهناك الأبيض والأسود، وهناك المؤمن والكافر وهكذا فلا تقصري رؤيتك على جانب واحد أو تتصوري أن الحياة كلها سوداء. لقد خلق الله الرجل والمرأة وجعل لكل منهما أجهزة جسمه كاملة تقوم بأداء وظائفها فالجهاز الهضمي يقوم بالهضم والجهاز التنفسي يقوم بالتنفس وهكذا... فيما عدا الجهاز التناسلي!! سواء عند الرجل أو عند المرأة فقد جعل الله تعالى نصف الجهاز عند الرجل والنصف الآخر عند المرأة ولا يقوم نصف الجهاز (سواء عند الرجل أو المرأة) بدوره كاملاً إلا إذا وجد نصفه الآخر.
وإذا كان الأمر بمثل هذا الوضوح على المستوى الجسدي فقد لا يبدو كذلك على المستوى النفسي. ولكن الحقيقة أن حاجة كل من الرجل والمرأة النفسية لبعضهما البعض تكون في كثير من الأحيان أقوى بكثير من الحاجة الجسدية، وذلك ما لمستيه في جارك المشهور بأخلاقه عندما اكتشفت أنك معتمدة عليه وفي حاجة نفسية إليه.
انتقامك من الرجال لم يشف غليلك بدليل أن الانتقام تكرر عدة مرات، ذلك أنك تنتقمين من رجال ليس هم من أساءوا إليك في طفولتك، عليك أن تسألي نفسك ما الذي يجعل رجلا متزوجا يحب ويحاول الاعتداء على طفلة صغيرة؟ هل هذا أمر طبيعي؟ هل كل الرجال يفعلون ذلك؟ بالطبع هو أمر غير طبيعي وقلة هم من يفعلون ذلك. وهذه القلة عادة ما تصنف في فئات مرضية وما يؤكد اضطرابه مغامراته التي كان يحكي عنها.
أقول لك ذلك لأنني أريد وأتمنى أن تصلي في يوم من الأيام إلى تحقيق صفة "التسامح"، وأن تتركي الله تعالى يحاسب عباده. وإذا كانت الظروف قد هيأت ما حدث فهذا أمر الله تعالى، وكما علينا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله علينا أيضا أن نؤمن بالقدر خيره وشره. فما حدث قدره الله لك وعليك أن ترضي بقضائه ولكن ذلك لا يعني الاستسلام أو أن تقولي أن الله قدر لي أن أنتقم من كل الرجال بل يعني أن تأخذي بأسباب الشفاء وتبحثي عنها كما فعلتِ بإرسالك لنا وأن تبذلي الجهد في الفترة القادمة بالتوكل على الله أولا وبمساعدة العلاج النفسي ثانياً في الخروج من الأزمة ومن حالة الاكتئاب التي طالت. خاصة بعد أن وجدت من الشباب من لا يستحق تلك المعاملة السيئة التي كنت تعاملينها للآخرين. وفى انتظار أخبارك
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي: الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك يسعدني طبعا أن أتولى علاجك لكنني أرى أنك إن كنت من محافظة بعيدة فإن الأفضل لك أن تلجئي إلى أقرب الأطباء (وحبذا الطبيبات) النفسيين من مكان إقامتك لأن علاج حالتك نفسيا يحتاج إلى وقت طويل وجلسات متعددة، فناقشي الأمر مع أهلك وأهلا بك دائما فتابعينا بأخبارك.