إلى الدكتور القاسم؛
في أروقة الماضي تجولت وبين دفاتر الذكرى مشيت, بحثت عن لحظات سعيدة تذكرني بأن للسعادة موطىء, بأن للضحكات طريق وأن للابتسامات محل, غصت في دفاتري وبحثت فلم أجد سوى عبارات نغصات آهات, لم يزهر الربيع يوماً, إنما ولدت في الخريف الذي زحف لكل خلية من خلايا جسدي, الخريف يلقي بظلاله فوق روحي فباتت ورق هزيلة تقاسمها الريح في الكون الفسيح, وبات الضياع هي سمتها, بحثت عن صور جميلة تنقذ بقايا إنسانيتي لم أجد سوى السواد ينسج نسيجه حولي, أتسائل أين ضاعت سنين عمري؟ كيف كهلت روحي؟ كيف شاخ قلبي؟ أين نغمات الحياة؟ لا أسمع عزف الحياة؟
أقلب في خلايا دماغي لأسعف نفسي وأقنعها بأن ثمة سبب واحد يستحق وجودي بالحياة؟ أين هي عائلتي؟ ما حل بفلذة كبدي؟ أين أصدقائي؟ أين....؟ لم أجد سوى أثاثي يحدثني ويضحك من حالي؟ صدى أفكاري يفضح ما يجول برأسي؟
حاورت روحي, أما آن أن تفيضي للبارىء, أما أن تعتزلي الدنيا, قالت منذ ولدت وأنا من الناسكات, وفي المحراب أمضي الساعات, أقضي وقتي في التأملات, وجل الوقت تتساقط عبرات, لكفن يدثرني نحن منتظرات, لا بواكي لا ولا دمعات, إنما جل همي أن أكتب في صفحة الوفيات.......
حاورت قلبي, ألم تعرف للحب أبجديات, ألم تعشق كالمراهقات, ألم تتحرق شوقاً يوماً لأحضان وقبلات, قال أنا قلب امرأة من الفاضلات ومن دفاتر الحب أنا وريقات ممزقات, كوني بعيدة عن الملوثات, أنا أحميك من الطعنات الغادرات...... الحب هيهات
شكوت لعقلي حال الأزمات, توحدي مع الذات, تبعثر إنسانيتي وحال الشتات, قال: في الموضوع منطق وحسابات, معادلات واسنتاجات, الحب مجرد فضلات, مصيره لسلة النفايات, انشغلي بالعبادات واستمعي للمنابر وزوري المقامات, الحب ليس للفاضلات, الحب إثم المخطئات, دعي القلب والروح في حال سبات وقربي مني كل المهدئات, دعيني أتجرع كل المنومات لننام تمهيداً لطريق طويل سيلحق بالذات, إنه الممات, والتهام الجسد من الآفات, قد ننتظر قدوم هادم الملذات أو ننتهي بكبار الجرعات، ما الفرق؟
لا تقولي سنقاوم ونصمد ونجلس نطلب الطب يسعف هذه الآفات, ليس الحل بجلسات, ولن تسعفك كيميائية الحبات, أنت قاب قوسين من الممات, فأي طب يسعف... هيهات, طب المفترسات لطرائدها مجرد خيالات, كنسك الثعلب وصداقته للدجاجات، دونك تلك الكلمات, ما من نجاة من الموبقات, فتدثري بوحدتك وصادقي النجمات, أنت امرأة حزنك يملأ المحيطات, ودموعك دموع حبات المطر مجتمعات فمن يبدد تلك المهلكات, جالسي القمر ساعاتت خير لك من بشر بالمئات, راقبي توهج الملتهبات, واسكني فوق الموجات، أما الحب خارج المعادلات, مصادقة البشر, البشر نفايات, توحدي بالذات واجمعي الشتات.
يا ابن الجنوب رياحي عقلي ترفض الهبوب, يا فيلسوف عقلي في عزوف, يا صديقي السعادة لا ترسم في كاسيتات ولا لا يتجرعها من هلك بالموبقات, تسألني عن المعارف والأصدقاء وتعلم بأن عن صحبة البشر عازف, صديقاتي هن كلماتي ينزفن بنزف ذاتي, يكتبن سطور الألم التي تعصف جنباتي, لا تحاسب كلماتي, فهن حبيباتي.
لكني فكرت وتمحصت، دققت وقررت، مع طبيب مثلك تواصلت، جنون العقل شكوت، وعن آلام النفس المبرحة أخبرت، كطفلة صغيرة بكيت، من عرش عنادي نزلت، كقطة صغيرة تدثرت، ومن تلك الحبات ابتلعت، وشفاء جديد تمنيت.
في كل جوارحي عليك أثنيت، رغم غرور كلماتي وقبح همساتي تحملت، رغم كبرياء جنوني ورغم فتور سطوري حلمت، نوافذ الشمس لي فتحت، شرفات القمر لي اشتريت، من قمقم عشت فيه طويلًا أخرجت، أشواك مؤلمة من طريقي اقتلعت، وبرحابة صدر استمعت.
كلمات شكري منك خجولات، من حمرة الشمس مكتسيات، من ألق القمر ملتفات، محملات بأصدق أصدق الأمنيات، بالخير وأجمل الأمنيات، ومني لك قبلات، تقبل الوجنات، لا تخجل فأنا واحدة من الهستيريات، ويوماً ما سيصل الأمل من دون متاهات، سنرسم البسمات ونقرع كأس الأمنيات، سأصبح أخيراً من متفائلات، لحب الحياة متجرعات، كنتم لي خير الإسعافات، سلام الله عليك، سلام نحمله أحر الأشواق والبسمات.
27/11/2013
رد المستشار
حضرة الصديقة الغالية "كيتي" حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
من شباك هذه الآلة الصمّاء، برزت شمس كلماتك المنيرة في هذه العشيّة. وقد أتت لتكافئ تعبي طوال النهار وأنا أحاول أن أحمل المآسي عن أكتاف الناس لأضعها في غسالة الهموم، علني قبل أن أنام أستطيع أن أنظف جوّ الحياة المتلوّث ببعض الأنفاس المكتئبة، بالدعاء، بالصلاة، بالأمنيات.كم كنت أحلم أن يأتيني رذاذ من الكلمات المنعشة التي تؤكد لي بأن تعب الأيام لم يمضِي سدى، وأن ابتسامة ما قد ارتسمت على شفتين ورديّتين كانتا حزينتين في إحدى بقاع هذه الفسيحة.تلقّفت كلماتك تلقّف الجريح للبلسم، وشكرت الله على أنعمه التي لا تُعد. أنتِ لا تدري يا صديقتي بأنك كنتِ اليوم الطبيب الذي يعالج طبيبه! والعسل الذي ارتقى على شموع الشهد اليوم أستطيع أن أقول بأنك معالجة نفسانية حاذقة إذا أردتِ أعرف أن تاريخك مليء بالمآسي، ولكن أما آن لك اليوم أن تبدئي عملك الجديد بزرع أشجار الأمل والحب في نفوس كل مَن حولك، وإن كانت أرضهم غير صالحة فقد تكون يدك الخضراء وأنفاسك الطيبة، وغماماتت أفكارك الإيجابية خير مساعد لتكوين بساتين التفاؤل والسعادة والحب في صحراء هذه الدنيا.كيتي أعرف أنك تستطيعين أن تلعبي كل الأدوار، فما أروعك في الرداء الأبيض وتحت قبعة الطبابة النفسية تقومين بدور المسعف، وتنجحين بما تفعلين.لم نكن نتمنى من الله بالنسبة لك أكثر مما قرأنا في سطورك الجميلة هذه. فاليوم تحققنا من أن كاتبة الأحزان والدراما هي نفسها قادرة على أن تكتب مسرحيات الكوميديا والفرح لخشبات مسرح هذه الحياة القصيرة.لك منا أفضل التحيات، وشكراً على كل كلمة طيبة سطرتها أناملك في هذه الرسالة.
إلى الأمام يا "كيتي".والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهويتبع >>>>>: كيتي بحاجة للنوم ! والقسمة قاسم ! م5