بالمنعطف..!؟
أنا فتاة في السنة الرابعة من التعليم الجامعي ولكنني لا أعرف ماذا يحدث لي في هذه الأيام،
دائما تعبانة ومخنوقة وحاسة إني عايشة لوحدي في هذه الدنيا مررت في السنة الماضية بعدة تجارب عاطفية وأنا مثلي كأي فتاة لديها مشاعر وتريد أن تحب وهذا بالفطرة بالنسبة لأي إنسان.
ولكنني بعد أن مررت بهذه التجربة لم أعد أجد في نفسي أي قوة للقيام بأي عمل فأصمت وأحس أنني ليست لي لازمة في هذه الدنيا وليست لي أي فائدة وهذا لم يكن من بين طباعي على ما أعتقد.
-في بعض الأحيان أحس أن بي شيئا غلط كمصاحبة لجني مثلا أو وجودي في عالم غير عالم البشر الذي أنا فيه.
محتارة جدا أنا وعايزة أعرف هل الحل في الصحبة الصالحة فقط مع العلم إني مش قادرة أحصل عليها أم الحل في تغيير حياتي وتصرفاتي كلها.
وطبعا أنا عارفة إن كل حياتي غلط في غلط بس كل ما أريده هو أن أعرف الصحيح اللي يرضي ربنا وإزاي أقدر أحققه مع العلم إني عندي الدافع للعمل ولكن ليست لدي القدرة علي التكملة في بداية أي شيء أريده إلى النهاية.
ومشكلة التردد التي بي كيف أحلها؟!
وكيف أصبح قادرة على اتخاذ أي قرار في حياتي بدون ما يضرني ولا يضر أي إنسان.
- بحب كل الناس ونفسي أرضيهم وفي نفس الوقت نفسي أرضي نفسي وليس كل واحد على حساب الآخر مع إرضاء الله في جميع الأحوال
- في بعض الأحوال بحس إني بتصرف تصرفات لا إرادية هل هناك قوة تحاول أن تجعلني أتصرف بدون شعور أم لا، أم هذا خيال زائد عن اللزوم مني؟!
وإذا كان خيال فما هي كيفية الوصول للواقع بالنسبة لما أنا فيه.
- نفسي أعرف أمور ديني كويس جدا وفي نفس الوقت أريد أن تكون لدي القدرة على التعرف على علوم الحياة ولكن كيف أستطيع التنظيم بين المجالين دون أن يضفي أحدهما على الآخر.
- نفسي أرضي والدي ووالدتي في نفس الوقت ولكن دون ما أحس إني ظلمت حد أنا عارفة إن والدي ضحى كثيرا علشانّا لكن ده ما يمنعش إن ربنا وصانا علي الأم أنا بحب الاثنين لكن نفسي أعيش معاهم من غير ما أزعّل حد على حساب الثاني
- كل ما أطلبه أنا منكم توجيهي إلي الوصول لما أريد تحقيقه ومحاولة إيجاد الصحبة الصالحة التي تساعدني في إزالة الخوف والقلق من حياتي كلها.
22/4/2004
رد المستشار
الابنة الكريمة: رسالتك نموذجية في تصوير الكثير من حالة ملايين من الفتيات العربيات، ولذلك فهي تستحق الشكر والاهتمام، والنشر كما يحدث الآن. كم من فتاة عربية تشعر بالاختناق والإرهاق، والوحدة والتردد، ولأسباب متعددة، وأنت هنا تشيرين إلى التجارب العاطفية بوصفها المقدمة لما أنت فيه حاليا، والأمر أعمق من هذا بكثير.
طبعا الحب غير واضح المعالم والأهداف، غير محدد البرنامج والخطوات، غير مرتبط بمعرفة الأهل أو إعطائه صفة رسمية بخطوبة أو غيره، هذه الصيغ الغامضة الملتبسة، والعلاقات المبتورة الحائرة المحاصرة المهددة بسبب ضعف الإمكانيات المادية، والرفض الاجتماعي، والحرج الديني، هذه العلاقات تحمل من أسباب الفشل ودواعي الأمل أكثر مما تحمل من لذة التواصل، ومذاق المحبة، ولو كان الأمر بيدي لرفعت كل هذه القيود والأغلال والحواجز والتهديدات فيرتبط ويتزوج من يريد عن بينة ووضوح، ولكن الظلم والأوضاع المختلة التي نعيشها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ودينيا تبدو مسئولة عن الانحرافات التي تحدث، وعن الفشل الذي يحدث لمثل هذه العلاقات، دون إعفاء أي طرف مخطئ من خطئه.
من حقك كأي فتاة، و كأي إنسان أن تكوني محبوبة، وأن تتواصلي بالحب مع شاب،
وهذه هي الفطرة....نعم، ولكن الأوضاع القائمة والمحيطة بظروف الحصول على هذا الحق الفطري تجعل السلبيات من وراء إقامة هذه العلاقات، والأضرار التي يمكن أن تترتب عليها أكبر كثيرا من الإيجابيات أو النتائج أو الإشباع للاحتياج الفطري الذي تحدثت عنه والأفضل إما أن تدخلي في علاقة عاطفية واضحة المعالم، وبالأصول، وذات أهداف، وخطة محددة، وبمعرفة الأهل، أو ستظلين تتلقين الإحباط تلو الإحباط الصدمة من وعود الحب ثم الانكسار علي صخرة الواقع، وحرام عليك أن تفعلي هذا بنفسك، وبقلبك المسكين.
- هناك جمل سريعة وغامضة لأنها مختصرة ولأنها لا تفي بغرض الشرح لما تشعرين به من جانب معين تقولين عنه في بعض الأحيان أحس أن بي شيئا غلط كمصاحبة لجني مثلا، أو وجودي في عالم غير عالم البشر اللي أنا فيه وفي موضع آخر تقولين "في بعض الأحوال بحس إن أنا بتصرف تصرفات لا إرادية... هل هناك قوة تحاول أن تجعلني...."الخ وبغض النظر عن الأخطاء الإملائية، واللغة "الملخبطة" فإن هذه الجزئية تحديدا تحتاج إلى مزيد من التفصيل والاستكشاف لأنها يمكن أن تكون مشاعر هي جزء من أعراضك أو حالتك المزاجية والشعورية، ويمكن أن تكون جزءاً من مرض أو مقدمات مرض نفسي، ولذا يحتاج الأمر إلى تفصيل أكثر من هذا في تلك الجزئية.
ثم ماذا تقصدين"أنا عارفة إن كل حياتي غلط في غلط" وما هو مصدره؟!
وما هي أدلتك عليه؟!
هل كونك أقمتِ علاقات عاطفية فاشلة يجعلك غلط في غلط؟!
هذا شعور قاتل وكفيل بتدمير نفسية أي إنسان أن يحس أنه كله على بعضه غلط في غلط، وأصارحك أن الكثير من الفتيات، والكثير من الشباب يشعرون بهذا الشعور الغامض العام "بالإثم والغلط"، وهذا الشعور يكون مقدمة غالبا لخطوة يقوم بها الكثيرون، وتكون بالنسبة لهم بمثابة التوبة أو الإصلاح، أو التطهير!!!
والمدهش أنها تكون غالبا بمثابة انقلاب كامل بمائة وثمانين درجة أي في الاتجاه المعاكس لما كانوا عليه، لأنهم كانوا مثلك يشعرون أنهم غلط في غلط، وأصارحك أن عواقب هذا كله أي الشعور الغامض التعميمي، وما يتلوه من انقلاب، هذا وذاك يكون مسارا متعثرا يأتي مبنيا على حكم متسرع، ونتائج هذا وحصاده تكون المزيد من الألم والتشويش!!!
والأصوب أنك مثل كل البشر فيك أشياء إيجابية تستحق الاحتفاء والتطوير، وفيك سلبيات يمكن تغييرها بحكم سنك الصغيرة، واستثمارا لرغبتك بأن تكوني أفضل.
وأصارحك بأن كثيرات مثلك وقفن في نفس الموقف الذي تقفين فيه اليوم، وكانت نواياهن حسنة، ورغبتهن حقيقية في إرضاء الله، والارتقاء بالذات، وتم اصطيادهن لذلك من أجل الحالة التي يعشنها ويشعرن بها، والصياد هنا يمكن أن يكون جماعة دينية متشددة، أو صحبة سوء بأنواعه، أو شاب ماكر يبحث عن فريسة مفتقرة للاهتمام.
والضحايا بالملايين يا آنستي، والحصاد شديد المرارة، والمسارات بائسة حين تسلك الفتاة أي من هذه الطرق، وهي تبحث عن السعادة، فلا تحصد نهاية إلا الشقاء والضغوط النفسية التي قد تحتاج إلى عون علاجي إذا عجزت عن السيطرة عليها، وحتى لا أزيد قلقك أقول لك بالتحديد.
(1) تحتاجين لإصلاح علاقتك بمن حولك من أهلك، وأنت لم تذكري أي شيء عن أسرتك أو عائلتك الكبرى أي شيء بالسلب أو بالإيجاب!!! ألا يدعو هذا للعجب والدهشة!!!
(2) وتحتاجين إلى دائرة من الصحبة التي تعينك على التفوق الدراسي، والاهتمام بتطوير نفسك، وإفادة غيرك وأحس أن حولك الكثيرات ممن يستطعن تقديم المساعدة في تطوير وترقية التزامك الأخلاقي والديني، ويبقى أن تجدي فيهن أو في غيرهن من يساعدك في المعرفة بشئون دراستك، وإتقان أدوارك كونك إنسان ينبغي أن تكون له اهتمامات وهوايات، وقضايا وأهداف عامة وخاصة يسعى لتحقيقها، ويعاونه عليها آخرون.
(3) ولا يتضمن العمل "الدعوى" السائد، أو دوائر الملتزمات التقليديات حولك أي فهم أو برنامج لإفادة الآخرين من المحتاجين إلى عون سواء داخل أو خارج الجامعة، وأحمد الله أن جهودا قد نشأت في جمعية "رسالة" وغيرها لسد هذه الثغرة، ويجدر هنا أن ألفت انتباهك إلى أن العمل التطوعي في الجوانب الاجتماعية المختلفة من شأنه أن ينقلك بعيدا عن الشعور باللامعنى واللاجدوي، وهو ما تعبرين عنه بقولك:
"أصبحت أحس بأنني ليس لدي لزمة في هذه الدنيا، وليس لي أي فائدة" وبغض النظر عن اللغة-مرة أخرى– فإن هذا الشعور قاتل، وأصارحك منتشر للغاية في أوساط الشباب والفتيات، وهو واحد من أهم مداخل الانحراف بل والإدمان أحيانا، حيث تكون هذه المداخل بمثابة محاولات لتبديد هذا الشعور بانعدام النفع أو الجدوى، ولو كان هذا عن طريق كارثة!!!
(4) دون الاستطراد أكثر أقول بسرعة لا يوجد شيء اسمه أحب كل الناس، ولا أريد إغضاب أحد!!!
بعض القرارات والاختيارات في شئون الحياة يرضى عنها البعض، ويسخط آخرون، وبحسب الظروف والأحوال، فإن إرضاء الله والنفس ليس دائما يكون متوافقا مع رغبات الآخرين، وتلتزم الدبلوماسية أحيانا للتوفيق بين هذا وذاك، ولكن أحيانا تلزم المواجهة، وتحمل العواقب،
وهذه هي طبيعة الحياة يا ابنتي وسيكون ممكننا أن توازني بين المعرفة بالدنيا والدين، فقط إذا تخلصت من حزمة المفاهيم المرتبكة، والمشاعر المتوترة المحبطة، وصححت صورتك عن نفسك، واسألي الله العون لنا ولك، وتابعينا بأخبارك....