لكي تصنع الحياة عليك أن تمد الجسور لا أن تبني الأسوار وتحفر الخنادق، والمجتمعات التي تجهل مهارات مد الجسور تعيش في مأزق حضاري خطير يهدد مصيرها، ويقضي على عناصر ديمومتها وقدرات تواصلها تحت الشمس. ولكي نعبّر عن الحياة المعاصرة لا بد لنا من المشاركة في بناء جسورها، وإطلاق التفاعلات الامتزاجية التواشجية القادرة على إنجاب الأصيل المتميز، المُطوّر لمسيرة الإنماء والرقاء الإنساني المتنوع الألوان والمكنونات.
والجسر رمز التفاعل ما بين حالتين تفصلهما حركة جارية وقوة مانعة، لكن إرادة الحياة تتغلب على الموانع والمعوقات، وتبني جسرا للتواصل والتحقق والتخلق والبناء والعلاء، والتقدم إلى ضفاف أخرى ذات آفاق مطلقة واعدة بالرائعات. والمجتمعات القادرة على إقامة الجسور هي المجتمعات الحية المتطلعة إلى المعاني السامية والقيم العالية.
والملاحظ أن الدول المتقدمة تجتهد في فنون ومهارات وخبرات ومبتكرات عمارة الجسور المتنوعة في مجتمعاتها وما بينها والمجتمعات الأخرى.
فالحياة القوية الحرة الصحيحة تتجسد بجسور الضم والتلاحم، لا بأسوار وخنادق العزلة والتصندق والتقوقع والتأسن والاندحار، والتمترس خلف مانعات الرؤية والتفاهم والتبصر والتعقل والأمل.
ويبدو أن عقيدة وثقافة وداء واضطراب حفر الخنادق وبناء الأسوار، أصبح وباءا مستوطنا، حتى صار من العسير على أية حركة أن تمضي إلى الأمام، لكثرة الأسوار والخنادق والمصدات والحفر والعثرات الفكرية والنفسية والمعتقدية، وما تلده من ضلال وبهتان.
فأسرى الكراسي يحفرون ويتسوّرون، ويعبّرون عن مذاهب وسلوكيات الحفر والتمترس خلف الأسوار في نشاطاتهم كافة، سواءا كانت سياسية، ثقافية، اجتماعية أو دينية، وما رأينا الذين ينادون بردم الحفر والخنادق وهدم الأسوار وبناء الجسور.
فلا يوجد مَن يصرّح بأعلى صوته أن هيا لبناء الجسور، ولا مناديا ينادي أن الحياة تتأكد وتكون بمد الجسور، لا بحفر الحفر والخنادق والوديان وإقامة الأسوار، إلا فيما قل وندر.
فالمجتمعات الحية القوية الواعدة هي التي تبني جسور المحبة والأخوّة والاحترام والتقدير، وإعلاء قيمة الإنسان واعتداده بحرية رأيه ومعتقده.
إن الجسور هي طريقنا الوحيد للإمساك بضوء الحياة وطاقات الصيرورة والارتقاء، فإذا لم نردم الحفر ونهدم الأسوار ونبدأ ببناء الجسور، فإننا جميعا سنساهم في دفن الوطنٍ في مقبرة عجزنا الحضاري.
وهذه دعوة للمجتمع لوعي "اضطراب حفر الحفر والخنادق وبناء الأسوار"، وهو سلوك بدائي أوّلي مارسته البشرية في العصور المتوحشة الظلماء، ولا تزال آثاره تشهد على تلك الأيام البلهاء.
ويمكن الشفاء منه بالانطلاق الجاد الصادق والواعي نحو ثقافة وعقيدة بناء الجسور، ومدها بين جميع الأطياف والألوان، ولا سيما ونحن في عصر التواصل البشري العولمي، الذي يخترق الحواجز ويتسرب إلى أعماق الحياة بتفاصيلها ومفرداتها الإنسانية المتأكدة فوق التراب.
فشيدوا الجسور واردموا الحفر والخنادق والترع واهدموا الأسوار، لكي تشرق شمس الحياة ونبتسم لبعضنا، وننقي نفوسنا من وباء التمترس السلوكي المستطير، ذلك الداء الذي لابد من مكافحته بالمضادات الحيوية والعلاجات اللازمة، وبإدخال الكراسي في ردهة الطوارئ الحضارية والوطنية، لكي تتخلص من هذا الوباء الفايروسي الخطير، الذي أزمن في أبدانها المتأسنة بالخسران والفساد الوخيم!!
واقرأ أيضاً:
العطالة والبطالة!! / فكّروا بطريقة اقتصادية!! / السكتة الحضارية!! / مجتمعات أكون!!