أرسل محمد حسن (مهندس،21 سنة، السودان) يقول:
وجود الجن بالعقيدة الإسلامية
الأخ الدكتور، تحية طيبة وبعد؛
أحب أن ألفت انتباهك إلى ضرورة الاهتمام بتأثير المس والسحر على الإنسان، قد لاحظت في ردودكم على القراء عدم اعتراف كامل بهذا الجانب واعتبار معظم المشكلات التي تطرح أنها في تصنيف تخلف وجهل.
أتمنى منك الانتباه في أنه بجانب أن التعلق الشديد بتفسير هذه الأمور على أساس أنها دائماً بسبب المسّ والجن وهو خطأ، فكذلك التشدد في رفضها يعتبر أيضاً خطأ، فأرجو منك التبحّر في هذا الموضوع، وصدّقني أخي العزيز أن هذا من واقع تجربة شخصية يستحق أن يدرس بعمق. طالما أمنّا بوجود مخلوقات عاقلة تشاطرنا المعيشة في هذا الكوكب فحتماً سوف يكون هناك تأثيرات مشتركة بيننا وبينهم.
والله من وراء القصد.
10/8/2008
الجن بين الحقيقة والادعاء (1)
الأخ الفاضل يسرّني أن أتحدث في هذا الموضوع وأبحث به، وهذه مشاهدات نراها أو نسمع عنها في حياتنا اليومية، كما أنها ليست مقصورة على طبقة اجتماعية دون أخرى، ولا دول أو ديانات دون أخرى، ولكن المشكلة هي أنه يجب أن تكون مرجعيتنا في تلك الأمور إلى القرآن والسنة حتى تستريح ضمائرنا، لأنه لا يخفى على العاقل أن تلك الأمور من الغيبيات التي تحتاج لدلائل وقرائن، وسوف أتناول ذلك في أجزاء وأعدك بذلك بإذن الله.
بداية موضوع المس والصرع:
يفسر كثير ممن يتحدثون عن الجان والسحر النوبات الصرعية بأنها مس من الجن، ويستندون في ذلك لقول الثقات من المفسرين، مثال ذلك: في قوله تعالى: بسم الله الرّحمن الرّحيم "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ....."(البقرة:275) صدق الله العظيم.
قال الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة: حدثني بشر قال لنا يزيد قال لنا سعيد عن قتادة أن ربا الجاهلية بيع إلى أجل مسمى، فإذا وصل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخّره، فقال الله جلّ ثناؤه للذين يربون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ، يعني بذلك يتخبّله الشيطان في الدنيا فيصرعه من المسّ يعني من الجنون ((تفسير الطبري3-101)).
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية أي لا يقومون إلا كما يقوم المصروع حال صرعه، وتخبط الشيطان له ذلك أنه يقوم قياماً منكراً ((ابن كثير1-326))، وعن عَلِي بْن الْحُسَيْنِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأواخرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا يَقْلِبُهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنصارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنسانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا.
وعن عطاء بن أبي رباح يقول قال لي ابن عباس: "أتحب أن أوريك امرأة من أهل الجنة؟" قلت "نعم" قال "تلك المرأة السوداء.. أتت النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالت يا رسول الله إني "أصرع" وإني "أتكشف" فادع لي الله فقال لها "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك" فقالت المرأة أصبر يا رسول الله... فقالت إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. فكانت تصرع ولا تتكشف فهي من أهل الجنة.
كما نعترف بأن حالات عديدة وقف العلم حائراً أمامها ولم يجد تفسيراً لأسباب حدوثها، وفي حالة الصرع يوجد قسم من الحالات- وهو القسم الأكبر منها- غير مبرر (IDIOPATHIC EPILEPSY) لا يعلم سببه، ولكن ليس الجدل هنا في السبب إطلاقاً ولكن المهم كيف نتناول الحالة ونعالجها:
إن تلك الحالات بمشاهدتي وكثير من الأطباء تستجيب للعلاج الدوائي لأنه سبحانه لم يخلق داءً إلا وخلق له الدواء. إذن فإن من ينكر ذلك هو كمن ينكر حقيقة ثابتة الوقوع، وهل يتعارض ذلك مع الرقية الشرعية؟ لا يتعارض لأن الإيمان بالله يقوي الإنسان على مرضه أيّاَ كان هذا المرض؟ فهل نذهب للسحرة والدجالين؟
لا طبعاً لما يترتب على ذلك من شرك بالله وأنه يوجد من يتحكم في مصيرنا غيره، أو أن نجعل بيننا وبينه تعالى واسطة مما يبعدنا ولا يقربنا من الله عزّ وجلّ.
وتذكر قول رسول الله عليه السلام: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" رواه الترمذي وأحمد في مسنده .
كما لا يبيح ذلك ضرب المصروع فلم يفعله الرسول(ص) كما هو ثابت بحديث المرأة السوداء ولنا في رسول الله قدوة حسنة.
عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري [رقم:2697]، ومسلم [رقم :1718]. وفي رواية لمسلم "مـن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
ولا يبيح ذلك ترك المرأة مع الرجل بمفردها في تلك الحالات. عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عـليه وسلم يقول: "إن الحلال بيّن، وإن الحـرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب") رواه البخاري
[رقم:52] ومسلم [رقم: 1599].
ومن المسائل التي يجدر الإشارة إليها: حق المسلم على المسلم، نظر عليه الصلاة والسلام إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وما أجلّك! والذي نفسي بيده للمسلم أعظم منك حرمة عند الله"، "المسلم دمه حرام، وماله حرام، وعرضه حرام".
اقرأ أيضاً:
الجن.... بين الحقيقة والوهم! / هل صحيح أن الجني يدخل جسد الإنسان؟ / المصريون والجن(4) / المصريون والعفاريت(3)