أرسل د. محمد عمر سالم (58 سنة، أستاذ مساعد الطب النفسي - كلية الطب جامعة الإمارات، الإمارات) يقول:
أريد أن أعقب على أجزاء معينة جاءت في هذا المقال الطيب، حيث أنه يتناول موضوعا هاما، وهو الجوانب الشفائية للقرآن الكريم:
1) ذكر في بداية المقال ما يفيد أن المسلمين أهملوا ذلك الجانب أو أساءوا معاملتهم معه، والحقيقة أن علماءنا الأوائل تناولوا جوانب كثيرة من ذلك الأمر وغيره، ولكنهم تعاملوا مع النصوص كلها، فالمرجعية الإسلامية تشمل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وكل ما هو نافع ومفيد، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها؛
وقال تعالى".... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"(الأنبياء:7)، والجوانب الوقائية في الشفاء أكثر أهمية من الجوانب العلاجية، والصحة النفسية عند علماء المسلمين تتسع لتشمل مفاهيم مثل تزكية النفس، وهو مفهوم غير واضح في الغرب، فنجد كثيرا من مؤلفات المسلمين تتكلم عن أمراض الحقد والحسد، ومجاهدة النفس والارتقاء بها، وعلاج اللهو والغفلة والكبرياء...الخ، ومن المؤلفات المشهورة في ذلك:
الطب الروحاني لابن الجوزي، وإحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، ولذا فإن كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي في القرن السادس الهجري يعتبر علما بارزا في هذا الصرح المبارك، فربع المهلكات من الكتاب تناول آفات النفس المختلفة وكيفية التعامل معها، وربع المنجيات وضح كيفية الارتقاء بالنفس وتزكيتها، ولابن القيم وغيره كتابات في العلاج النبوي وتزكية النفس.
2) العلاج السلوكي المعرفي: أول ما نشر عن العلاج السلوكي المعرفي بمحتوى ديني هي الدراسة التي أجرتها بروست في الولايات المتحد الأمريكية، ونشرت في عام 1992، وكانت دراسة قارنت فيها بين عينتين من المرضى المكتئبين المتدينين المسيحيين إحداهما خضعت لعلاج سلوكي معرفي تقليدي، والأخرى لعلاج سلوكي معرفي بمحتوى ديني، وكانت النتيجة إيجابية بالنسبة للمجموعة الثانية، وبعدها أجريت دراسة أخرى مماثلة على عينة من المرضى المسلمين في ماليزيا، أجراها أزهر ونشرها في عام 1994، وتلا ذلك دراسات أخرى في هذا الاتجاه، وقد عرضت ذلك في محاضرة في المؤتمر الدولي الأفريقي لأطباء النفس، والذي عقد بالقاهرة عام 1998؛
ثم نشرته في ورقة مرجعية بمجلة الطب النفسي المعاصر بمصر أيضا عام 1999، ثم عرضت برنامجا إسلاميا متكاملا للعلاج النفسي المعرفي بمحتوى ديني عرضته أول مرة ببريطانيا في الاجتماع المشترك لقسم الطب النفسي عبر الثقافات لكل من الكلية الملكية البريطانية للأطباء النفسيين والرابطة العالمية لأطباء النفس والذي عقد في كوفنتري في عام 2003 ، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعرض هذا البرنامج المتكامل في ورش عمل في كل المؤتمرات المتاحة بالمنطقة وخارجها، وهذا البرنامج معروف تحت اسم "برنامج الصفا" وهو اختصار: The Spiritually Focused Assistance (SFA) Programme.
ومن الطريف أنه في نفس المؤتمر الذي قدم فيه الكاتبان بحث القرآن يتحدى، والذي عبرا فيه عن القصور لدى المسلمين عن القيام بهذا الدور، كنت أقدم هذا البرنامج في حجرة أخرى في نفس المؤتمر، مما يدل على أنه من أكبر مشاكلنا في الحقيقة هو ضعف شبكات التواصل.
وإنه ليسرني التعاون العلمي مع الجامعات والباحثين المهتمين بذلك الأمر بما في ذلك تقديم ورش العمل لهذا المشروع العلمي الهام.
د. محمد عمر سالم
كلية الطب – جامعة الإمارات
References:
1] Propst, L.R., et al (1992) Comparative efficacy of religious and non-religious cognitive-behavioural therapy for the treatment of clinical depression in religious individuals, Journal of Consulting and Clinical Psychology,60: 94-103.
2] Azhar, M.A., Varma, S.L., Dharap, A.S., (1994) Religious psychotherapy in anxiety disorder patients, Acta Psychiatrica Scandinavica, 90: 1-3.
3] Salem, MO (1999) Religion and Psychiatry, Psychiatry Update; Journal of the Inst itute of Psychiatry, 1(3): 113-121.
4] Salem, MO (2006), The Spiritual Support Group, The Royal college of Psychiatrists website for Spirituality & Psychiatry, Newsletter: 22: 2-7
5] Salem, MO (2006), Spirituality: Uniqueness and Universality, The Royal college of Psychiatrists website for Spirituality & Psychiatry, Newsletter, 22: 8-11
6) مصالح الأبدان والأنفس، تأليف أبي يزيد البلخي، وإعداد د. مصطفى عشوي – مطبوعات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية -2004
* تعليق الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي
أستاذنا الفاضل د. محمد عمر سالم.. أهلا وسهلا بك ولكم تشرفنا إطلالتك السخية المتعمقة هذه على مجانين، ونعرف منكم أنها ليست الأولى ونتمنى أن يستمر ويثمر أكثر وأكثر.... أشرت إلى قولنا (مما يمكن فهمه ضمن إهمال المسلمين لما لديهم، أو سوء تعاملهم معه، ونرجو ألا يكون الوقت قد فات قبل أن ننتبه ونبدأ في العناية والبحث في حقل ما يدلنا عليه القرآن) وهذه هي في الواقع رؤيتنا لمدى استفادة المسلمين الحاليين من القوة العلاجية للقرآن وليس نقصد أبدا إنكار أو نسيان إسهامات علمائنا وفقهائنا الأوائل الأجلاء فلا أحد من هؤلاء مسئول عن ما آل إليه حالنا مع مرضانا مرضى النفوس....
وأما العلاج السلوكي المعرفي (الطبنفسي) بمحتوى ديني وإغفالنا لدراسة بروست فإنما جاء لأننا ذكرنا العلاج المستند إلى الإسلام وبالتالي فهي دراسة أزهر في ماليزيا والتي نشرت في 1994 في دورية الطب النفسي الاسكندينافية...... والحقيقة أننا ناهيك عن إثبات أو إغفال من كان أول من قال أو كتبَ... إلخ..-
في كتابتنا في مجال مبادئ وأصول الطبابة النفسانية بوجه عام والعلاج المعرفي السلوكي بشكل خاص قد قررنا التخلي عن القطع بأن فلان كان الأول..... ذلك أنني بعد أعوام من كتابة كتابي الأشهر الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي إصدار عالم المعرفة أغسطس 2003 وكنت فيه قد ذكرت أنه الأول باللغة العربية بهذا الشكل وهذا المضمون عن "اضطراب الوسواس القهري الذي تشير أقل التقديرات إلى أنه يصيب ما لا يقل عن ستة ملايين إنسان عربي" والحقيقة أن هذا كان جهلا كبيرا مني وعرفت بعد ذلك بأن كتب الفقه الإسلامي كلها كانت أسبق مني في الكتابة عن الوسواس الذي أعنيه (أي بأشكاله الثلاثة التي اقترحتها إجرائيا في الكتاب وآخر ما نسختها كان في ردي المعنون:
أنواع الوسواس خناس ولا خناس)..... لكنني الآن عرفت من خلال ممارستي أن الخط أو الحد الفاصل أو الحدود الفاصلة بين الوسواس الخناس والوسواس القهري ليست بالوضوح الذي كنت أراه سابقا.... كذلك كان جهلا مني أني اعتبرت أن فقهاءنا لم يذكروا شيئا لعلاج الوسواس القهري وإنما فقط لعلاج وسوسة الشيطان.... وتفصيل ذلك أنهم كانوا أو ل من أطلق التسمية وسواس قهري فقد جاء في "حاشية إعانة الطالبين" للدمياطي الشافعي [1/343]: (..قوله: بوسواس قهري: وهو الذي يَطرُق الفِكر بلا اختيار). وجاء فيها أيضاً [2/75]:
(الشك يكون بعلامة، بخلاف الوسوسة، فإنها الحكم بالنجاسة [مثلاً] من غير علامة) وهذا منقول بالنص عن أ. رفيف الصباغ، ومعنى ذلك أنني ذكرت معلومة غير صحيحة في كتابي عن استخدام وسواس قهري لترجمة Obsession .... فهذا في حاشية إعانة الطالبين أول ذكر لتسمية وسواس قهري، ولم تكن الحكاية أن "وسواس قهري" كانت ترجمة غير موفقة من الذين ترجموها عن كلمة Obsession كما ذكرت في كتابي.
كذلك تبين قراءة الفقه الإسلامي المتعمقة أن فقهاء المسلمين وضعوا مبادئ العلاج المعرفي السلوكي للوساوس الدينية قهرية وغير قهرية، كما تبين ذلك بكل جلاء مقالات رفيف الصباغ عن منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري وهذا الارتباط لواحد منهم ولا هو للمقال الأول ولا للأخير ولا للمشاركات فيه... فحديث رفيف على مجانين إن شاء الله طويل.
إلا أن المسألة لا تكتمل في فهمنا نحن كأطباء إلا بقراءة تساؤلاتنا عن مصدر الفكرة التسلطية أو الحدث العقلي التسلطي الأول؟ Primary Source؟؟ فهذا السؤال لا توجد له إجابة علمية حتى الآن، هناك فقط إجابة دينية!... ومعظم النظريات تحاول الإجابة على سؤال كيف أن حدثا عقليا ما يصبحُ تسلطيا أيا كان النهج المتبع، ولعل أقربها من المنطق هو التفسير المعرفي السلوكي أي أن عقل الموسوس يتعامل بطريقة مختلفة مع الفكرة فيقع في الشرَك!... لكن لا توجد إجابة علمية لسؤال ما هو مصدر الفكرة أو الحدث العقلي التسلطي الأول. وقد تساءلنا عن ذلك بخلفيتنا الإسلامية من قبل في مقالنا عن مصدر الحدث العقلي التسلطي الأول.
وما أظن البحث والكتابة والتفعيل والدراسة للتراث المعرفي السلوكي لعلاج وتزكية النفوس عند المسلمين والذي نصر إن شاء الله على إنجازه في كل ما يمكننا التوصل له في مجال علاج الوسواس القهري، ونصر كذلك على مواصلته إن شاء الله في غير الوسواس مثلا في الاكتئاب وأشكال القلق المختلفة... ما أظن هكذا عمل يمكن أن يستمر بغير تواصل بين العاملين في حقول الطب النفسي وعلم النفس والاجتماع وكذلك العاملين في العلوم الشرعية كأصول الفقه ودراسة الحديث النبوي الشريف وغير ذلك من العلوم الإسلامية... ويكون التواصل عبر المؤتمرات العلمية وعبر الإنترنت وغير ذلك.
وقد بدأنا هذا الحوار بالفعل على مجانين وفيما بين العاملين مما لم يظهر بعد على مجانين... وكم كنت سعيدا حين علقت في مخطوطة بريد إليكتروني متبادل على تحاورٍ تم بين رفيف الصباغ وعبد الرحيم الريفي ومحمد محمد فريد وعنونته رفيف مراسلات وأرسلته لي قائلة:
(السلام عليكم: حضرة الأستاذ الكريم الدكتور وائل: قد كنت أرسلت بعض الأسئلة للأستاذ عبد الرحيم الريفي فحولني بدوره إلى صديقه الدكتور محمد محمد فريد وقد أجابني مشكوراً وأنا أحب أن تطلعوا على المراسلات التي يمكن أن تجري بيننا، -إن لم يكن عندكم مانع- لا أحب أن أثقل عليكم ولكني أثق فيكم وأحب آراءكم وأحب أن أطلعكم على كل شيء باعتبار أن العمل معكم أولاً وأخيراً...
جزاكم الله خيراً)
وردد عليها بعبارات جاء فيها: (أرى أن من المهم لإنجاز برامج ونظرية العلاج المعرفي السلوكي المناسب للمسلمين ومن المهم لكثير غير ذلك، أن يحدث هذا التزاوج والتفهم وربما التعاون بين ما قاله الفقهاء المسلمون والعلماء المسلمون وهو ضائع منا وبين ما هو منسي في كتب الفقه أو عند أهله وغير مرتبط بالعالم فيكاد يُظن فيه أنه لا ينفع الناس....
ما زلت أنتقل من قناعة لقناعة بأن ما يحدث الآن في العالم من محاولة للاستعانة بالدين والتدين والروحانية بشكل عام وفي العلاج المعرفي السلوكي بشكل خاص ليس أكثر من مجرد استعادة لفقه المسلمين لكن بعقول تفهمُ ذلك الفقه، وتصدر لنا النظريات والبرامج المبنية عليها ونأخذها حائرين ربما في ترجمة بعض كلماتها أو مصطلحاتها!)
بالفعل أتفق معك تماما يا دكتور محمد عمر سالم في ضعف التواصل بيننا وأعرف أنني مقصرٌ في ذلك وكلنا في العالم العربي مقصرون.... ولكن كما تعرف فنحن في العالم العربي جميعا ما زلنا نواجه مشكلات في حياتنا اليومية، وفي البحث العلمي وفي النشر الورقي وفي غيره، وإن من المؤسف فعلا أن يتكرر عجز بعضنا عن سماع ما يقدمه الآخر أثناء المؤتمرات بسبب تماثل مواعيد إلقاء الأطروحات أو غير ذلك من الأسباب... لكنني أرى التواصل ممكنا عبر هذا المجانين الذي جمعنا وإن شاء الله دائما يجمعنا.......
مرة أخرى أشكرك وقد أرسلت مشاركتك في مقال المهدي إليه وعله يرد عليها قريبا ونحن دائما في انتظار مشاركات أُخَر منك كثيرات.... وسؤال أخير؟؟ أليست لديك مقالات يا أستاذنا الفاضل؟؟ بالعربي تشاركنا بها وبالإنجليزي أيضا.... فنحن في مجانين وإن لم نكن بمستوى المنابر التي تنشرون بها أبحاثكم لكننا على الإنترنت بفضل الله منتشرون ومقروؤون ومتخصصون لغير المتخصصين مفهومون.
واقرأ أيضًا:
الطب النفسي الإسلامي / وصمة المرض النفسي : ليست من عندنا! / قيمة العقل في الإسلام ! ماذا جرى؟ / سارة وأخواتها في المؤتمر، ما شاء الله