سنة ثامنة مجانين: خطأ التقدير وكسل التدبير
أرسلت دعاء محمد عبد الوهاب (23 سنة، مدرسة تربية فنية، مصر) تقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام ومجانين في تقدم وازدهار، وأرجو أن تحل تلك المشكلات سريعا..... وأرجو أن تتقبل مني نصيحتي كابنة لأبيها حيث قرأت من خلال المدونة أنك بعد أقلعت عن التدخين قد أصبت بحالة من الركود وقلة النشاط... التدخين ليس هو السبب أو إقلاعك عنه، حيث إدمان التدخين هو ثلاثة أيام فقط.
أرجوك غير اعتقادك عن فكرة التدخين من الاعتقاد الإيجابي إلى السلبي....
أما حالة الركود فهي من حالة ملل أو سأم قد تحتاج إلى تغيير في حياتك مثلما يشعر الكثيرون ولكن تقف ضغوطات الحياة ومشاغلها حائلا لذلك.........
وأرجو أن تحل تلك المشكلات الخاصة بمجانين حيث لدي الكثير أن أبوح به لكم حتى تساعدوني من حالات الضيق التي أحيانا تنتابني
15/8/2010
الابنة الفاضلة "دعاء" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا جزيلا على مشاركتك الطيبة، إن شاء الله تحل مشكلات مجانين سريعا فقط علينا مواصلة الدعاء لأن المخاض على ما يبدو عسير جدا!
لشد ما استفزني يا دعاء قولك "حيث إدمان التدخين هو ثلاثة أيام فقط" من أين أخذت هذه المعلومة الخطيرة التي أخاف أن تساعد على وقوع ضحايا جدد في فخ التدخين استسهالا لأمره!.... صحيح أن أقسى أعراض انسحاب النيكوتين تحدث خلال أول 48 ساعة بعد الإقلاع عنه لكن المعاناة الجسدية الناتجة عن الانسحاب تستمر أكثر فتبقى أسبوعين وربما أكثر بينما تستمر آثار انسحاب النيكوتين النفسية (أي المعاناة النفسية والمعرفية) ستة أشهر على الأقل!
واقع الأمر هو أن المدة التي يمكن أن تستمرها الآثار النفسية لانسحاب النيكوتين تختلف من شخص إلى آخر -إلى حد ما- حسب كمَّ تدخينه ومدة تدخينه وكيفية ارتباط التدخين بمناحي نشاطاته المختلفة، فهناك أناس تبقى أعراض الانسحاب عندهم أطول من ستة أشهر وبعضهم تتأرجح في شدتها وتختفي أحيانا وتعود أحيانا وهكذا... ليست هناك قواعد ثابتة اللهم إلا فيما يتعلق بالعموميات... فمثلا نستطيع اعتبار كل من الأعراض التالية ممكنا لكن مدة حدوث كل منها تختلف من شخص لآخر:
الصداع: ويستمر هذا الصداع في أغلب الحالات أسبوعين على الأقل وقد ينتج عن الكرب النفسي الناتج عن الحرمان من النيكوتين أو ينتج عن زيادة تدفق الدم إلى المخ خاصة أجزاءه الخلفية بسبب تحسن الدورة الدموية وزيادة الأكسجين ونقص أول أكسيد الكربون في الدم... وهذا التحسن قد يسبب صداعا في الأيام الأولى.
الغثيان والشعور بالدوخة: الغثيان قد يكون مرتبطا بالدوخة والتي تنتج عن محاولة تأقلم الجسد والدورة الدموية على حمل أكسجين أكثر، وقد تكون الدوخة ناتجة عن هبوط ضغط الدم الذي يحدث مبدئيا بعد الإقلاع عن التدخين... وبشكل عام تنتهي هذه الأعراض خلال يومين على الأكثر فلا داعي لكثرة الانشغال بها أو الخوف منها.
الشعور بالرغبة الشديدة في التدخين أو التوق الملِح للتدخين Nicotine Cravings وهذه لا تحدث لكل المدخنين عندما يقلعون عن التدخين وإنما تحدث لكثيرين وهؤلاء يحتاجون يقظةً وتنبها مستمرا لسنوات لأنهم يمكن أن يقعوا بسهولة في انتكاسة الرجوع للتدخين وذلك على عكس من لا تحدث عندهم ظاهرة التوق الملح للتدخين بعد استكمال برنامج الإقلاع، وعادة ما تبدأ خبرات التوق الملح للتدخين منذ أول 6-12 ساعة لإيقاف التدخين وفيها على الشخص أن يواجه رغبة شديدة واشتهاءً قويا للتدخين عليه ألا يستجيب لها ويستمر حدوث تلك الخبرات لفترة قد تطول وقد تقصر لكنها عادة ما ترتبط بمواقف معينة أو أنشطة معينة اعتاد الشخص أن يدخن فيها.
سوء المزاج والقلق والاكتئاب: نظرا لما للنيكوتين من تأثير مضاد للاكتئاب فإن سوء المزاج والاكتئاب كثيرا ما يكونان من أعراض انسحاب النيكوتين، وبعض من يقلعون عن التدخين يصابون باكتئاب، وتزيد احتمالية حدوث ذلك في الأشخاص الذين لديهم تاريخ مرضي للاكتئاب، كذلك تستخدم بعض مضادات الاكتئاب كعقاقير مساعدة في برامج الإقلاع عن التدخين، وأما القلق فإنه نتيجة متوقعة لحرمان الجهاز العصبي مما اعتاده من النيكوتين ويعتبر القلق في الفترة الأولى لإيقاف التدخين علامة على محاولات الجهاز العصبي الرجوع إلى حالته الطبيعية أي إلى حالة اللا اعتماد على النيكوتين، ويفضل في هذه الحالة الانتباه لعدم الوقوع في فخ زيادة استخدام المشروبات التي تحتوي على الكافيين كالشاي والقهوة.
فرط الاستثارة والغضب بشكل أسرع من الطبيعي: وهذا هو أحد أشهر أعراض إيقاف التدخين ومن أكثرها إفشالا لمحاولات الإقلاع عنه، ويبدو نتاجا طبيعيا للرغبة الشديدة والتوق إلى التدخين وعدم القدرة على وقف التفكير فيه، ولا مناص خلال الفترة الأولى لإيقاف التدخين من محاولة شغل النفس بنشاط محبب وكذلك أخذ أكبر قسط ممكن من الراحة والاسترخاء تفاديا لنوبات الغضب تلك قدر الإمكان، وعادة ما تستمر تلك الحساسية للغضب والاستثارة الزائدة من أسبوعين حتى أربعة أسابيع بعد إيقاف التدخين.
الإمساك، الانتفاخ أو الإسهال، وجفاف الفم والحلق: وينتج الإمساك أو غيره من الأعراض المعوية بسبب ارتباك وظائف الأمعاء كرد فعل لإيقاف النيكوتين وتستمر هذه الأعراض أسبوعا أو أسبوعين، وأما جفاف الفم والحلق فينتج أيضًا من محاولات الجسد العودة إلى حالته الطبيعية والتخلص من المخاط إضافة إلى كرب إيقاف التدخين نفسه، ويستمر هذا حوالي أسبوع.
الإجهاد والخمول والكسل والأرق: ينتج الشعور بالإجهاد والخمول والكسل عن حرمان الجسد من الأثر المنبه للنيكوتين، إذ بينما تعود الحالة الاستقلابية للجسد بالتدريج إلى الطبيعي وضمن ذلك تناقص معدل ضربات القلب فإن الشعور بالإجهاد وسرعة التعب والكسل بالتالي هي أعراض يتوقع حدوثها، كذلك فإن لانسحاب النيكوتين أثرا على النوم وكثيرا ما يكون الأرق هو العرض الأكثر إزعاجا، فضلا عن أن كثيرين يحلمون بأنهم يدخنون وهم نيام! وعادة تستمر هذه الأعراض من أسبوعين إلى أربعة أسابيع.
نقصان القدرة على التركيز: يعتبر هذا أحد الأعراض التي يشتكي منها كثيرون بعد إيقاف التدخين، ففضلا عن فقدان الأثر المنبه واليقظة التي يحدثها النيكوتين فإن بعض أعراض الانسحاب كالقلق والاكتئاب والإجهاد يمكن أن يصاحب كلا منها نقصان في القدرة على التركيز، وبينما يبدو للشخص أن دماغه أصبحت أبطأ فإن كل ذلك يبدو عرضا مرحليا لرجوع الدماغ إلى حالته الطبيعية دون التأثير الاصطناعي للنيكوتين.
زيادة الشهية والوزن: من المعروف أن التدخين ينتج عنه تثبيط للشهية وزيادة لمعدل الحرق وعندما يقلع الشخص عن التدخين فإن الشهية تتحسن أي تزيد وكذلك يقل معدل الحرق عن ما كان معتادا أثناء فترة التدخين وبالتالي فإن زيادة الوزن بعد إيقاف التدخين نتيجة طبيعية إلا أن من المهم أن نتذكر أن هذه الزيادة يمكن أن تكون عابرة فقط إذا توفر الوعي بها واستطاع الإنسان زيادة المجهود العضلي اليومي.
معظم الأعراض المذكورة أعلاه ذكرت معها المدة الزمنية النموذجية التي يستغرقها العرض أو مجموع الأعراض إلا أن الفروق الفردية في خبرة انسحاب النيكوتين أوسع بكثير من غيرها مقارنة بآثار انسحاب العقاقير الأخرى... وهناك بالطبع أرقام إحصائية عديدة تبين نسبة من قد يعانون من عرض معين أثناء وبعد انسحاب النيكوتين وتقديرا للمدة الزمنية التي قد يستغرقها العرض فمثلا 50% سيعانون من فرط الاستثارة وسرعة الغضب وسيستمر هذا العرض أقل من 4 أسابيع بينما60% سيعانون من اكتئاب لأقل من شهر، ولكن للأسف فإن مثل هذه الأرقام وغيرها لا تفيد في بيان ما سيعاني منه فرد معين عندما يقلع عن التدخين، وبعض الناس يعانون من عرض أو عرضين وبعضهم يعانون من كل الأعراض وهناك طيف واسع من الفروق في الشدة التي تحدث بها الأعراض، ولنقل أنه في تسعين بالمائة من حالات إيقاف التدخين سيحدث على الأقل عرض واحد من أعراض انسحاب النيكوتين، إلا أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع المدخن بها أن يعرف ماذا سيحدث له بعد إيقاف التدخين هي أن يوقف التدخين ليرى!...
بالتالي يا "دعاء" يا ابنتي ليس صحيحا ما قلته من أن "إدمان التدخين هو ثلاثة أيام فقط" وإن كان ربما عند بعض المحظوظين......... وأكرر لك العبارة التي بدأت بها... ليست هناك قواعد ثابتة اللهم إلا فيما يتعلق بالعموميات..... ولا أحسب كذلك أن حالة الركود التي أعاني منها هي من ملل أو سأم أو تحتاج إلى تغيير في حياتي، فواقع الأمر أني بفضل الله أحب جدا ما أعمل ولست كثيرا من محبي التغيير.........
بقيت يا "دعاء" العبارة التي استفزتني كثيرا في خطابك يا ابنتي وهي قولك بمنتهى البراءة: (أرجوك غير اعتقادك عن فكرة التدخين من الاعتقاد الإيجابي إلى السلبي..)!! يا سلام! كده خبط لصق! أعذرك وأعذر كثيرين من أبنائنا وبناتنا لأنهم صدقوا موجة التفكير الإيجابي التي يعرضها ويسوق لها كثيرون من مدربي التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية...... وهو ما دفع كريستين بادسكي وهي واحدة من الأسماء الكبيرة في العلاج المعرفي السلوكي تقول عن العلاج المعرفي أنه ليس تغيير العقول وإنما مساعدتها في الاكتشاف (لحل المشكلة الواقعي) ويقال عنه كذلك أنه ليس التفكير الإيجابي وإنما التفكير الواقعي لحل المشكلة.. يعني بمنتهى البساطة لا ينفع أن نقول لأحد (غير اعتقادك عن أي شيء من الاعتقاد الإيجابي إلى السلبي) دون أن نقنعه بصحة أو واقعية ذلك....
وعودة لموضوعنا الأصلي عن حالة مجانين فإننا نواصل الدعاء بأن نجتاز هذه المرحلة قريبا ونكون مستعدين لتقبل ما تودين البوح به عن حالات الضيق التي تنتابك والتي بيناها في المدونة الأصلية عن "عيد ميلاد مجانين الثامن" والتي أيضًا إن شاء الله ستنتهي بالشفاء.
واقرأ أيضًا :
التدخين والكافيين ورمضان / التدخين: أعراض الانسحاب م / شروط التدخين / الإقلاع عن التدخين مشاركة / الاكتئاب : التدخين ومضادات الاكتئاب