السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبي (1 من 3)
حين قرأت الجزء الأول من هذه السلسلة “السياسة والتراث الشعبي”، بنية استكمالها، تنبهت إلى أن استشهادي بالموال الذي ذكرته كان حسن النية بالحكومة والحكام، فوجب التصحيح: يقول أول الموال:
عِتْبِت عَالوقت قال لي الوقت: إيهْ مَالكْ
عمّال بتشكي من الأيامْ، إيهْ مَالكْ
إلليّ جرالَكْ يكون في الأصل إهْمالَكْ
هذا المثل لا ينطبق على حكامنا الأفاضل، فهم – غالبا – لا يشكون (ولا يبكون: قولٌ آخر)، وهم لا يعتبون على الوقت، هم عادة يعتبون على الشعب: لأنه يأكل أكثر مما ينبغي، بدليل صور البدانة لنسائنا خاصة في طوابير الخبز، وأنه شعب بليد: بدليل تدهور التعليم (الحكومة مالها؟ الشعب هو الذي “لا يذاكر”) كما أن هذا الشعب هو الذي ينجب بإفراط، (فالرجل منهم لا يتحمل أية مسئولية وهو ينام مع زوجته، ثم زوجته…عيب كذا..!) فتتزايد المواليد مع سبق الإصرار لإغاظة الحكومة، العتب إذن على الشعب، لا على الوقت، ولا على البخت.
وحين يجد الحاكم الفاضل أنه “غُلُبْ غلابه” من الشعب، فإنه يلقى اللوم على الأسعار العالمية، والمؤامرات المؤامراتية، والظروف غير المواتية ..إلخ، وبالتالي فهذا الحاكم الذي أدى ما عليه بالتمام والكمال لا يعتب على الوقت، وبالتالي فالوقت لا يخاطبه وهو يقول: “إللي جرى لك يكون في الأصل إهمالك”.،
ويبدو أن هذا الشعب خبيث من قديم الزمان، فهو الذي قال:
“إداين وازرع ولا تداين وتبلع”
لهذا المثل قراءتين: فهو يسمح بالاستدانة على شرط أن تكون استدانة للإنتاج لا للاستهلاك، نستدين لنصلح الأرض ونزرع القمح، لا لنشترى القمح ونأكله خبزا (إن وجد)، أو “كرواسونا، وتورتة” (لمن نسى كلمة خبز)، أما القراءة الثانية، فيمكن أن تصلنا على أن المثل يقول: ما دمت قد استدنت، فاصرف الدين في محله للتنمية، ولا “تبلعه” في بطن سعادتك أنت وبطانتك تحت عنوان المكافآت وبيوت الخبرة والذي منه.
مثل آخر يقولها صراحة:
كل شيء بالبختْ، إلا القلقاس ميَّه وفحْت
يقول الشعب إن إدارة السياسة – يا سادتي- لا تكون بالتمني، أو التوجيهات العليا الإسعافية، لأن زراعة القلقاس – كمثال- تحتاج إلى أرض نصلحها، كما تحتاج إلى مياه ترويها، القلقاس يا سادة – المثل اللي بيقول- لا ينمو بحسن النية أو بالدعاء بالحظ السعيد
مثل آخر ينبه إلى ضرورة الحسم، وخدعة الاكتفاء بالفرحة بتوقيع الاتفاقات:
إللي بِدَّكْ تمضيهْ اقضيهْ
واللي بِدَّكْ ترهِنْه بيعُهْ
توقيع البيانات والاتفاقات مع دولة أو مستثمر، ليس نهاية المطاف ما لم يرَ الناس نتائجها على أرض الواقع، أما المشروعات التي تثبت أنها خاسرة فعلا، فلا ترهنها لتصحح الخسارة بخسارة أكبر، الحسم يُلزم بأن تتخلص من المشروع الخاسر (لستُ متأكدا أين يقع مشروع توشكي في ذلك!) لتبدأ فورا من جديد فيما يفيد.
هذه الأمثلة ظهرت قبل جلوس حكامنا على كراسيهم، فهي لا تعنيهم لا هي، ولا ما يلي:
مثل يرجعنا إلى أصل المصيبة
“إن كان في العمود عيب يبقى مالأساس”
مثل يبرر عدم الاستقالة
“خليك في عشك لما ييجي حد ينشك”
مثل يدعوك لتحويل التوجه إلى مصادر أكثر ثقة (مثلا: تنويع مصادر التسليح، أو لعل هذا هو ما حدث في تمويل السد العالي)
“إن طاب لَكْ طاب لَكْ
وان ما طاب لك ،حوّل طَبْلَكْ”
وأخيرا مثل ينبه إلى التعلم من فشلنا المتكرر في سلوك هذا الأسلوب بالذات
“إن كنتوا نسيتوا اللي جرى، هاتوا الدفاتر تتقرا”
أنا لم أؤلف هذه الأمثال، وعلى السلطات أن تبحث عمن ألفها من قرون (غالبا)، فهو المسئول أولا وأخيرا، وهو ليس صديقي، ولا يعرف أصلا معنى كلمة “تعتعة”، كما لم تصله أية أخبار على أنه سيولد على أرض الكنانة واحد اسمه إبراهيم عيسى يدعوني للكتابة .
أمثلة أخرى كثيرة تتعلق بصبر الناس على من لابد أنه سيرحل أو .. (لا دائم إلا وجه الله)،
ومثل آخر قد يفسر علاقتنا الحميمة بأمريكا (حين نتيقن أنها تملك 99% من الأوراق) .
“الإيد إللي ما تقدرشي تقطعها بوسها”
وأيضا:
اللي ما تقدرشي توافْقُه نافْقُه
هكذا يحدد الشعب قواعد كل من “السياسة الخارجية”، والسياسة الداخلية، على حد سواء.
فالعتاب أخيرا، كما كان أولا، هو على الشعب (هو اللي قال “بوسها”، وأيضا هو اللي قال “نافقه”)
إيه!!؟ الله! مالَكْ؟ !
مِنّك للشعب!
ويتبع >>>>>: السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْدَبِيزْ (3 من 3)
اقرأ أيضا:
كل شيء هادئ في الميدان الشرقي!! / سياسة دي يا يحيى؟!؟! / الحلول الذاتية: نعمل إيه ؟ نعمل جمعية !!