ساخن من مصر: أيام الغضب الأربعاء
كنت قد قررت سابقا ألا أحضر من فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر إلا حفل العشاء بسبب ارتباطي بعدة مواعيد،..... وبالتالي للأسف لم أتمكن في يوم الخميس 27 يناير 2011 هذا إلا من متابعة الأحداث عبر الإنترنت من على صفحات نقل أخبارر مصر على الفيسبوك وكان من الملفت للنظر أنه كلما أنْشَأَ المتظاهرون واحدة من الصفحات المعنية بنقل أخبار مصر أنشأت الحكومة صفحات عديدة بنفس الاسم "أخبار مصر" تنقل أخبارا تنافي الحقيقة بحيث يتم تشتيت الناس فلا يعرفونن بسهولة أي الصفحات هي الحقيقية وأيها المغشوش أو المزور من قبل الحكومة، ونفس الكلام ينطبق على عدة صفحات منها صفحة شبكة رصد على ما أذكر فعندما تبحث في الفيسبوك عن شبكة رصد تكتشف أن هناك أكثر من ستةة صفحات وكلها أنشأت في خلال اليوم أو اليومين الأخيرين..... وعندما تفتح كلا من هذه الصفحات فإنك تجد واحدة تكلم عن أخبار مصر الرياضية وأخرى عن أخبارها الفنية وبين هذا وذاك بعض الأنباء المحبطة عن التحركات الشعبية أو تلكك التي تقول ما تود الحكومة قوله، والحقيقة أن اكتشاف الصفحة الأصلية من تلك المزورة أمر يسير بشرط أن تكون منتبها لوجود لعبة قذرة تلعبها الحكومة، فلا تستسلم للأخبار المحبطة بسهولة.
المفترض أنني كنت سأبقى في القاهرة إلى ما بعد صلاة الجمعة لأن لدي تسجيلا لقناة الأسرة والطفل لحلقة عن الرهاب الاجتماعي، وعندما رأيت أن الأحداث تتصاعد وأن ميدان التحرير القريب جدا من مبنى التليفزيون مرشح ليكون نقطة اشتعال بعد الجمعة، وشعرت بيني وبين نفسي أني لن أستطيع ترك هذه الأحداث لأسجل عن الرهاب الاجتماعي... قلت لزوجتي التي كانت معدة البرنامج قد اتفقت معي من خلالها اتصلي بالمعدة وقولي لها الدكتور يعرف مقدارر المسئولية التي عليك وهو لا يستطيع ولا ينوي الانسحاب لكنه لو تكلم عن الرهاب الاجتماعي الآن فسيقول بصوت عالٍ أن أفضل أساليب العلاج هو النزول للتظاهر...... قالت لها المعدة أنها شخصيا لا تعرف هل سيكون هناك عمل فيي استوديوهات التلفيزيون ظهر الغد أم لا وستسأل.... وأحمد الله أنها قالت لا لن يكون هناك تصوير،.......
ظلت السويس هي أكثر المناطق اشتعالا في يوم الخميس وبدت الاستعدادات الأمنية على أشدها في القاهرة فتحول ميدان الساعة في مدينة نصر إلى ثكنة عسكرية لتفادي تجمع الناس بعدما أعلن عنه يوم الأربعاء كمكان تجمع لتظاهرة الخميس..... وحقيقة فقد بدت صورة القاهرة أكثر هدوءا يوم الخميس بشكل جعلني أشعر بالقلق ولولا أن موعدا كان قد ضُرب بعد صلاة الجمعة 28 يناير للتظاهر على مستوى الجمهورية في ما سُمي بجمعة الغضب لولا ذلك لكان الإحباط بديلا للقلق....
خلال نهار الخميس -ومن عدة مصادر- جاءنا خبر يقول أن الحكومة ستمنع صلاة الجمعة في المساجد الكبيرة غدا... وبالفعل رأينا عربات الأمن المركزي تتجمع حول المساجد الكبيرة في القاهرة، وبعضهم قال لي أن الناس قرروا الاعتكاف في المساجد.. وهناك من قال أو قالت أن المسيحيين أيضًا سيبيتون في الكنائس.............، ومن نفس المصادر ومن الفيسبوك قرأنا خبرا يقول أن الحكومة المصرية أعلنت الجمعة 28 يناير يوم عمل رسمي!...... المهم أنني عندما نجاني اللهه من عقوبة التسجيل وقت التظاهر قلت سأحاول إذن سأحاول التواجد في الزقازيق في صلاة الجمعة لأكون حيث يجب أن أكون!
بدا واضحا أن حرب الشائعات قد بدأت فهم من خلالها يدفعون بالناس إلى حالة من البلبلة والخوف، وكذلك شائعة أن الحكومة ترجع ما يحدث للإخوان المسلمين وهو ما يعني أنها ستبطش بهم دون خوف من أمريكا –وطبيعي أن الحكومة لا تخاف الله في وجدان كل المصريين- أو الدول الغربية، ولعل هذا ما دفع بعض قادة الإخوان إلى إنكار مشاركتهم كحركة في الأحداث وإن شاركوا بأشخاصهم كمواطنين مصريين.
ظلت الأنباء التي أسمعها من الجزيرة وصور الناس وهتافاتهم تدفئ قلبي ومن المثير للانتباه أنه –باستثناء ممثلي الحزب الوطني الحاكم- فكل من طلب منه التعليق على ما يحدث بالفعل في مصر أو ما سيحدث من تظاهرات كان يتحدث عن مبارك وكأنه منتهي لا محالة،... بدا لي أن رحيل هذا النظام العتيق الخنيق الذي خان قضايا شعبه وأمته هو أمنية الجميع التي لم يستطع أحد أن يخفيها بمجرد ما بدا النظام مترنحا.
في هذا اليوم كنت مؤمنا بأن الناس لن تكف عن التظاهر رغم ما بدا من هدوء نسبي في القاهرة، وهذا ما أيدني فيه الزميل التونسي د. جمال التركي مؤسس الشبكة العربية للعلوم النفسية والذي كان من أكثر الزملاء إفادة لي بنصائحه للمتظاهرين والتي كتبتها من على لسانه بداية من أن يوزع المتظاهرون ورودا وقطعا من الحلوى على رجال الأمن... وكذلك عدم التفرق، وكيفية تنظيم الصفوف أثناء التظاهر وكيفية مواجهة الجدران الأمنية التي يصطف فيها عساكر الأمنن المركزي ليحاصروا المتظاهرين ويحدوا من حركتهم وتتم مواجهة تلك الجدران بالتحرك ككتل.... قلت له نود إرشادات لدعم المتظاهرين نفسيا ولتلافي الوقيعة بينهم وبين الشرطة وليس نصائح تكتيكية لكيفية التظاهر، فضحك... وضحكت.... وكتبت كل ما اقترحه جمال التركي.
وبعد جلستي مع د. جمال التركي بدأ حفل العشاء الاحتفالي ولم يكن مني إلا أن بدأت التجول بين المقاعد لأتشاور مع زملائي من الأطباء النفسانيين آخذا إضافاتهم على نصائح الزميل التونسي وكان من أهم الإضافات اجتناب الشعارات أو الهتافات المستفزة أو المتجاوزة للأدب أو المُسَيَّسَة بوضوح والاكتفاء بالمطالب الشخصية البسيطة مثل الرغبة في العمل الرغبة في الزواج... إلخ..... وإلى جواري في تلك الحفلة كان أستاذي د. محمد حافظ الأطروني الذي بدا قلقا جدا مماا يتوقع حدوثه من انفلات أمني وتعرض البلد لعمليات سلب ونهب كما حدث في تونس وقال أن هناك من اللصوص من جهزوا أنفسهم لذلك.... ودعا ودعوت لمصر والمصريين بأن يسلمهم الله وأن تتحقق مطالبهم دون خسارة أكثر من اللازم.
انتهى العشاء الاحتفالي وصعدت إلى الغرفة تذكرت أن "هبة" لم ترسل البريد الإليكتروني الذي ٍأرسل لها عليه إرشادات الدعم النفسي المطلوبة للمتظاهرين، ولما كنت أعرف أن مساء الخميس هو آخر موعد يمكن أن تكون فيه تلك الرسالة مهمة فقد اتصلت أنا بها وعرفت أنها لم تتمكن من الوصول إلى الإنترنت، المهم أنني قمت بإملائها ولما عرَّفتها بأن معظم النصائح أخذتها من زميل تونسي استبشرت وقالت بشرى خير إن شاء الله، قلت لها اليوم قلت لزميلي التونسي أن الثورة التونسية بالتأكيد هي ثورة معدية أو انتقالية Infective Revolution ....
اتصلت بمن أحمل أرقامهم معي من المتعافين من الإدمان ومن المكتئبين ومن الواقعين في براثن الإدمان ما يزالون اتصلت بهم أو بذويهم وقلت اتركوهم ينضمون للمظاهرات فهذا مفيد علاجيا بقدر ربما أكبر من الجلسات التي نجريها والعقاقير التي نعطيها لهم، وحقيقة كنت أشعر أن ما يحدث هو علاج لكل المصريين وليس فقط للمتظاهرين أنفسهم...
وحقيقة طوال يوم الخميس ظلت كلمات المدونة "نوارة نجم" التي سمعتها على الجزيرة تتردد في أذني وهي تقول: "لم تسجل حالة تحرش واحدة اليوم"... لقد كان الأولاد فعلا متحضرون ويتصرفون بتحضر ويعترضون بشكل جدير بالإعجاب، وأقول في نفسي اللهم احفظهم من عناصر بلطجية الشرطة المجهزون للاندساس بين المتظاهرين.... نسأل الله ألا يحدث ذلك ونكرر أننا من منبر مجانين هذا ما زلنا نشدد على أن التعامل الخشن مع التحركات السلمية منن شأنه أن يفجر ردود أفعال غير رشيدة! نرى مصرنا الجريحة في غنى عنها.
يتبع.............. : ساخن من مصر: جمعة الغضب!
واقرأ أيضاً:
رأس مصر العربي/ الحرب النفسية في معركة ميدان التحرير/ حرب الترويع والتجويع