ساخن من مصر: أيام الغضب السبت1
في حوالي الحادية عشرة صباحا كلمتني أ.رفيف الصباغ لتسأل عن أحوالنا وأحوال مصر وأخبرتني أنها والناس الذين تعرفهم يدعون للمصريين قلت اللهم آمين.... كان من الواضح أن أنباء عمليات السلب والنهب المنظمة والتي تبدو وكأنما خُطِّطَ لها جيدا هي أكبر أسباب قلق الناس من خارج مصر على المصريين، كذلك يبدو أن استلهام التجربة التونسية لم يحدث فقط من قبل الناس وإنما أيضًا من قبل اللصوص المرخصين من قبل الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية، فهذا هو نفس ما حدث في تونس... مع فارق واحد هو أنه حدث في تونس بعد فرار الرئيس المخلوع لكنه في مصر يحدث والفرعون المخلوع ما يزال جاثما على صدور العباد.
وفي حوالي الساعة الثانية ظهرا اتصل بي د. عبد الرحمن إبراهيم من سوريا وكان قلقا من تسارع الأحداث وطمأنته قلت له معنويات المصريين في السماء وهدفهم واحد ومطلبهم لا رجعة عنه يا سيدي فقال لكن كيف سيتم التعامل مع الناس قلت له من يستطيع الوقوف أمام الطوفان؟ الناس يا سيدي كانوا على شعرة وانفلتوا تماما وأراهم يزدادون عنادا وإصرارا ولا نحتاج إلا دعاءكم فأجاب كل العرب يسأـلون الله أن ينصر أهل مصر.
وبرغم تسارع وتيرة الأحداث في مصر مقارنة بتونس إلا أن ردود الفعل وردود الفعل المضادة تقريبا واحدة... فالنظام لا ينتبه لجدية وخطورة ما يحدث إلا بعد فوات الأوان ثم ترى رد فعله دون المستوى بشكل مستفز ثم تراه يبدأ في التخبط ويبدو بالفعل غير واعٍ لما يطالب به الناس.... إلا أن الأحداث حتى الآن تشير إلى أن الرئيس التونسي المخلوع بن علي كان أرحم بشعبه جدا مقارنة بالفرعون المصري.....
بدا القلق الإسرائيلي يتصاعد بشدة بداية من جمعة الغضب، وفكرت لماذا لم نسمع أصداءً لما يحدث في مصر من حماس؟ ولماذا لم نسمع أي تعليق من إيران؟....... ربما توجد أصداء وتعليقات لم نسمع بها، وربما بعض القادة العرب ساكتين لعجزهم عن التنبؤ بما هو حادث إلا أن تعليق الملك السعودي الذي يبدو أنه أراده تعليقا دبلوماسيا فجاء مستحيلا من الناحية المنطقية حيث أعلن إدانته لمحاولات العبث باستقرار مصر وأنه يقف مع مصر حكومة وشعبا (كيف؟) بكافة الإمكانات، وحتى الآن أحاول أن أفهم كيف يقف أحد مع مصر الحالية حكومة وشعبا؟ كيف تقف مع الخصمين اللدودين في آن واحد؟
بدت تصريحات المسئولين الإسرائيليين وكأنما هي دفاع عن الرئيس المصري وتسويق لحسناته التي يمكن تلخيصها من وجهة النظر الإسرائيلية في الحفاظ على السلام ولا يذكرون أنه الحفاظ على السلام بأي ثمن وبكل ثمن وبوضوح أكثر ربما هو الحفاظ على الرضا الإسرائيلي باستمرار،..... وتبدو التصريحات الإسرائيلية غبية أشد الغباء في توقيتها فهي وإن قصد بها محاولة إقناع الغرب بغض الطرف عن ما سيفعله النظام المصري لقمع الاحتجاجات، مثلما يغض الطرف عن ما يفعلونه هم في الفلسطينيين، رغم أن هذا مقصدهم إلا أن النتيجة في مصر كانت أن يتذكر الناس تصريحات نقلت عن مسئولين إسرائيليين تفيد بأن مبارك هو كنز إسرائيل الاستراتيجي في المنطقة أو أنهم يجدون التعامل مع مبارك أيسر من التعامل مع أي من المسئولين المصريين.... هذه التصريحات التي كانت تشعر كل المصريين بالخزي ربما كانت ترفع أسهم مبارك وابنه في أعين الدول الغربية، لكن تذكرها الآن لا ينتج عنه غير إصرار أكبر على الخلاص من هذا النظام الذي أفقد مصر عزتها وكرامتها وعروبتها وفي حالة غزة أفقدها حتى إنسانيتها في عيون العالم كله!
حجبوا الجزيرة في مصر أو كادوا..... فهم أوقفوا بثها على القمر الاصطناعي النيل سات ولكن أمكن استقبال إرسالها المستمر عبر قمر اصطناعي آخر هو العرب سات على تردد آخر... أصدر وزير الإعلام في الحكومة المقالة أنس الفقي قرارا بإغلاق مكاتب قناة الجزيرة في مصر وسحب تراخيص العاملين فيها المشكلة أنه أصدر القرار وهو مُقال كيف؟ الله أعلم.... إذن كادوا يحجبون الجزيرة ويمنعونها من العمل في مصر، ولكن الحمد لله ما زالت القناة تبث الأحداث أولا بأول والناس تتابعها وتتحدث عبرها من كل مكان تقريبا في مصر،........ فكرت في الدور الذي تقوم به الجزيرة في الثورة أنا شخصيا أراها شريكا فيما حدث مثلها مثل الفيسبوك، فإطلاع الناس على أخبار ما يجري مهم جدا في تحفيز الهمم حتى لو قالوا نحن ننقل الحدث وننقل الرأي والرأي الآخر فإنهم صادقون لكنهم فقط لم يذكروا أنهم ينقلون روح الثورة.... فكرت ماذا لو لم أتمكن من استعادة بث الجزيرة؟ لا إنترنت ولا جزيرة؟ الرد هو التواجد في ميدان التحرير على الفور أو في غيره من مناطق الاشتعال...
أستطيع بكل ثقة أن أقول أن الإنترنت عبر مواقعها المختلفة لاسيما الفيسبوك كانت مسئولة عن إطلاق شرارة ثورة وتغيير، ثم أن هذه الشرارة -في ظلال وعبق ثورة الياسمين أو التجربة التونسية- تعهدتها ورعتها قناة الجزيرة الإخبارية وقناة الجزيرة مباشر.... قد يرى البعض هذا اتهاما للجزيرة لكن الحقيقة أنني أراه وساما يجب أن تضعه الجزيرة على صدرها لأنها تساهم في تغيير وجه المنطقة العربية بأسرها وتغيير وجه مصر المخزي الذليل الخنوع الذي جسده مبارك على مدى ثلاثين سنة، هذا الحدث إذن هو حدث ضخم بكل المقاييس وهو أضخم من كل الأحداث التي يمكن أن تحدث في المنطقة باستثناء حدث واحد هو أن تتوحد قوى المقاومة الموجودة على الأرض في المنطقة في إزالة إسرائيل..... والحقيقة أن التغيير الذي تبدو مصر مقبلة عليه هو ثاني المسامير في نعش إسرائيل بعد صنيعها في أهل الرباط في غزة الأبية وما فضحته الجزيرة من عمالة السلطة كلها لإسرائيل فهذا كان برأيي أول المسامير في نعش إسرائيل.
يا ترى إلى متى يستمر تجاهل مبارك وخزنته لما يجري على أرض مصر كلها تقريبا؟ لقد أصبح عدد 20000 هو أقل أعداد المتظاهرين في أي مظاهرة ومن الواضح أن الاحتقان يتزايد باستمرار... مدينة المنصورة وصلت الأعداد بها إلى 40000 متظاهر وكذلك مدينة السويس وفي الإسكندرية تكاد الأعداد تصل إلى 100000 متظاهر وهناك اقتحامات واعتداءات وإشعال نار في عدد من أقسام الشرطة على مستوى الجمهورية.... تعبيرا عن الغضب يخرج الناس وتأكيدا للأمن والنظام ترد الشرطة بكل عنف ممكن وتعبيرا عن تأجج الغضب أضعاف ما كان يخرج الناس بأضعاف ما سبق إلى أن يتمكنوا من إزاحة الشرطة ثم يقومون هم أو مندسون بينهم بحرق رموز سلطة الشرطة كمباني الأقسام أو مديريات الأمن في عواصم المحافظات.... وفكرت في الآثار السلبية لذلك وتمنيت أن ينتبه مبارك إلى ما سيسجله عنه التاريخ من استهانة لا مسبوقة بمقدرات ثمانين مليون نفس على الأقل!... فقط من أجل أن يستمر قابضا على رقاب العباد والبلاد.
الصدام مع الشرطة لا يزيد الأمور إلا اشتعالا رغم كل أساليب البطش المفرط في التعامل مع المحتجين، والشرطة بدا لي أنها في القاهرة أيضًا أصبحت لا تفعل إلا الحفاظ على ممتلكاتها كجهاز حكومي فقد بدا واضحا أنهم أيضًا يطوقون مبنى وزارة الداخلية لحمايته وتوالت الأنباء عن قتلى ومصابين يُحْمَلون من مبنى وزارة الداخلية إلى عيادة طوارئ طبية مجاورة يتحدثون عن قتلى ومصابين بالعشرات.... ما معنى هذا؟ هناك غياب أمني على مستوى الجمهورية؟ ثم قتلى ومصابين من وزارة الداخلية؟ هل الداخلية تدافع عن نفسها أم أن هناك تفسيرا آخر؟.... بقيت إلى جوار الجزيرة عاجزا عن الفهم وخائفا من التصور!
يتبع : .............. ساخن من مصر أيام الغضب الاثنين1
واقرأ أيضاً:
الحرب النفسية في معركة ميدان التحرير/ ساخن من مصر: أيام الغضب الثلاثاء