ساخن من مصر أيام الغضب الأربعاء2
بدا يوم الخميس مختلفا فمنذ الصباح الباكر وأنباء الهجوم البربري في الفجر على جموع المتظاهرين في ميدان التحرير وضربهم بشتى صنوف الأسلحة الخفيفة وصولا إلى الرصاص الحي.... ثم انتصار المعتصمين عليهم واستعادتهم السيطرة على الميدان.... هؤلاء الشباب المرابطون في ميدان التحرير وفي كل ميدان يقول لا في مصر، هؤلاء الشباب الذين بقيت وبقي كثيرون من جيلي يتهمونهم بالسطحية والتفاهة وضحالة التكوين هؤلاء هم نفسهم الذين فاجئونا فمنحونا شرفا لم نتوقع يوما أن سننال،..... أصبح لدى المصري ما يفتخر به بعدما ظل ثلاثين سنة بلا.
كان المشهد الذي نقلته الجزيرة لأول هجوم للبلطجية وراكبي الجمال والخيول على كل المتظاهرين في ميدان التحرير يوم الأربعاء منظرا يتكرر في عيني وأشعر بالخجل الشديد هل هي كوميديا تحدث على مرأى من العالم في وسط الحالة التراجيدية المؤلمة لمصر؟ هل قصد بها رمزٌ ما؟ هل فقط لأجل إحداث الصدمة وتوقع إخافة الشباب بهذا الشكل؟ ما يزال تفسير ما حدث هذا مبهما بالنسبة لي.... لكن الحمد لله من الواضح أن شبابنا تجاوزوه..... رغم ذلك ما يزال تذكر تلك المشاهد والناس مشتبكون بالأيدي مع البلطجية تشعرني بالخوف الشديد، وهو ما يعني أن لذلك فعلا كبيرا في نفوس عديدين فما هي يا ترى ردود أفعالهم؟
منذ الصباح أيضًا والاضطراب والخلل المعرفي والنفسي مستشر في آراء الناس وفهمهم، تغير كثير من المصريين وبدا خنوعهم واستسلامهم لقدرهم طلبا للاستقرار وخوفا من المجهول..... بدا أن الخطاب الاستعطافي الاستعباطي الذي ألقاه الرئيس أمكنه فعلا أن يغير كثيرا من مواقف الناس... لكن في ظل مناخ من الفيروسات الفكرية المثبطة مثل "البلد كلها ستنهب" "هناك مؤامرة لتحقيق أجندات خارجية"... هناك اتفاق بين إسرائيل وقطر على إحداث فوضى في مصر باستخدام الجزيرة؟ هذه الأفكار الناصعة الكذب أصبحت فجأة تجد من يصدقها بين صفوف الشعب!
رأيت من بدا رد فعله هو فقط الرعب الشديد والذعر والبحث عن الهدوء بأي شكل.... رأيت من بدا رد فعله اعتبار المسألة عناد مجموعة من الشباب غير المقدر لمسئولية مصر..... وهناك كثيرون رأيتهم يكتفون بالبقاء أمام شاشات التليفزيون، إما الجزيرة أو غيرها ويكتفون بالمتابعة..... وطبعا ما يزال أناس لا يمتلكون الدش والريسيفر اللازم لرؤية القنوات الفضائية، فتصبح رؤية قنوات التليفزيون الرسمي المصري هي الرؤية الوحيدة المتاحة، لكن كلا الطرفين راضٍ فقط بالفرجة لا الفعل.
أما الأغرب فقد كان المصريون الذين صار رد فعلهم الحالي هو التعاطف الشديد والتشبث الشديد بمبارك ونظام مبارك وإعلانهم الاستماتة في طلب العودة للاستقرار ذكرني هذا بحكاية كنا نتندر بها مع زملائنا الأطباء النفسانيين ونحن نناقش الآثار الشاذة أحيانا للتعرض للاغتصاب فمن بينها أن تتعاطف المغتصبة مع مغتصبها إلى درجة الحب والرغبة في الارتباط وهو ما حدث فيما أطلق عليه متلازمة ستوكهولم والمضحك في القصة أن إحدى المغتصبات ظلت تدافع عن اللص الذي اغتصبها وتزوره في سجنه ثم تزوجته يعد ذلك، لا أظن هذا يصلح تحليلا لحالة كل المصريين الذين ينادون ببقاء مبارك!
من قال أن مصر تقع؟ أي وقوع ذاك يحدث لمصر الآن؟ بالعكس مصر وإن توقفت فيها الحرجة التجارية فإن الحركة التطورية مستمرة ومفعلة بشكل غير معتاد، الناس يخرج أجمل ما فيهم ويستطيعون الفخر بأنهم قادرون بالفعل على صناعة مستقبلهم، لقد فتح زين العابدين الباب وعلى الفرعون اتباعه، ولأجل هذا لا مانع من وقف الحال علما بأنه فعلا غير واقف وإن وقف فمن أوقفه إلا الفرعون؟
في الزقازيق في ميدان طلعت حرب هناك تظاهرة كبيرة يا دكتور.... عرفت ذلك قبل صلاة العصر، لهذا خرجت بعد الصلاة من المسجد واتجهت إلى ميدان طلعت حرب.... عند مدخل ميدان المنتزه من أمام مجلس المدينة منعتُ من الاستمرار فقلت للجندي أريد التظاهر فقال يمكنك الوصول من الشوارع الداخلية اطمئن!
كان الجمع غفيرا بحق رغم أننا عرفنا أنهم أمروا المتظاهرات من الإناث بالرجوع خوفا عليهن من البلطجية وبرغم ذلك تجاوزت الأعداد عشرين ألفا أو يزيد..... من قلب الميدان تحت تمثال طلعت حرب وقفت أنظر للناس وأهتف معهم.... وأصور أيضًا ما قد لا أصدق أن كان لولا الصور... كل أطياف الناس شباب وفلاحون وموظفون وكهول ومراهقون والكل على مطلب واحد متفقون... سقف المطالب أصبح أعلى أصبح الهتاف الشعب يريد إعدام الرئيس.... وأطرف وأبلغ وأعمق إحقاقا للحق هتافهم: تل أبيب أولى بيك السعودية خسارة فيك!..... فكرت والله إنه لحق وإني لأشعر أن الذنب الذي يخزيه به الله ليس فقط ذنبنا في مصر لكنه ذنب أهلنا في غزة وفلسطين وأهلنا في العراق وفي السودان ولكل من هؤلاء ملف كان الدور الحسنيُّ فيه خيانة لأهله ووطنه وليس لمصلحة أحد سوى نفسه وأهله.
الناس من كل صوب في مصر مرة أخرى يتوافدون إلى التحرير،....... بعضهم يسميه بميدان الحرية، وهي حرية وتحرير، حشود تحاول الوصول إلى ميدان التحرير، وهناك من يمنعونهم، ثم معلومات عن حشود جديدة من البلطجية تتجمع ليقوم بالهجوم، ثم فجأة تعليمات أمنية للمراسلين الصحفيين الأجانب بمغادرة الفنادق المحيطة بميدان التحرير.... يا ترى ماذا يدبر الفرعون وجنده؟؟.
مكالمات من هنا ومن هناك كلهم في منتهى السعادة أو في منتهى الخوف أو هو خليط بين هذا وذاك.... أتمنى أن لا يكتمل تدبير الفرعون وخزنته، أظن أنها محاولة أخيرة لإرهاب الناس ومنعهم من التدفق على ميدان التحرير..... لكن من الغريب أنه ما يزال بعض البلطجية يهاجمون من هنا أو من هناك في حين أن رئيس الوزراء اعتذر عما حدث بالأمس من البلطجية وأعلن عن أجراء تحقيق في الموضوع؟ هل هذا التشويش متعمد أم أن كل عضو في بقايا النظام يعمل بمفرده؟ هل ما يحدث جزء من حرب نفسية مخططة بحيث تصبح الوعود كلها مشكوك فيها؟ هل سبب ترك البلطجية يهاجمون المتظاهرين في كل مكان في مصر هو أن الجيش متواطئ مع النظام ضد شعبه؟ هل الجيش سيبقى على نفس هذا الموقف أم أن الأمور ستتغير؟ ومن الواضح حتى أن الحكومة لن تنجح في حشد مؤيدين يكون لهم وزن أو أثر فيما ستؤول إليه الأمور... ربنا احفظ مصر وانصر شعبها وأمده بعزة من عندك يا عزيز يا قهار.
يتبع : .............. ساخن من مصر: جمعة الرحيل
واقرأ أيضاً:
الحالة النفسي سياسية / لماذا رفض المصريون مبارك/ مواصفات الرئيس القادم