ساخن من مصر: جمعة الرحيل
اليوم هو اليوم الثاني عشر من أيام الغضب المصرية، العند والرد بالعند ولا تبدو المشكلة في طريقها للحل على الأقل خلال النهار....... يبدو المصريون المصرون على رحيل من لم يرحل في جمعة الرحيل مصرين ما يزالون وأشد أشد إصرارا على رحيل الفرعون.... ويتبدى من أكثر من نقطة في مصر ومن أكثر من منطقة أن النظام رغم محاولاته إحداث فتنة بين الناس أو على الأقل إقناعهم بأن هناك فتنة.... رغم كل ذلك فالنظام عاجز عن حشد دعم حقيقي له يمكن أن يظهر للعالم بشكل مشرف! بل إن أقصى عدد رصد في مظاهرات تأييد مبارك مجتمعة لم يتعد سبعة آلاف على أقصى تقدير في كل أنحاء الجمهورية (وتراوحت الأعداد بين 200 أو أقل و500 وفي مرة واحدة قالت الجزيرة 3000 من مؤيدي مبارك Mubarak supporters )... وبعض الجرائد وصفت بعض المظاهرات المؤيدة لمبارك في بعض مناطق القاهرة بالحاشدة ولم يذكروا أرقاما وعندما ذكرت الأرقام كانت مضحكة فالرقم الأكثر شيوعا هو 200 ذلك في نفس الوقت الذي تعد أقل مظاهرات المحتجين على مبارك Mubarak protestors بعشرات الآلاف ومئات الآلاف بل والملايين... والأهم من ذلك هو أن معظم المظاهرات المؤيدة لمبارك أو كلها قادها أو شارك فيها أحد أعضاء مجلس الشعب "المزور" باعتراف الرئيس ضمنيا، وهو ما يذكر الناس بالبلطجية الذين كانوا يمنعون الناخبين غير المؤيدين لمرشحهيم من دخول لجان الانتخاب وهم كذلك الذين كانوا يقومون بعمليات ملء البطاقات والتزوير...... باختصار شديد فشل النظام في استعراض عضلاته الجماهيرية ولم يفلح إلا في استعراض أسوأ ما فيه عضلاته الأمنية والاستبدادية والديكتاتورية.
حقيقة تمكن النظام عبر خطاب رئاسي شديد المكر والحرفية والدراية بنقاط حساسية المصريين، ومع تنازلات واهية -وإن بدت ذات بال- إضافة إلى عدد من الفيروسات الفكرية التي أطلقت عبر وسائل الإعلام الحكومية وانتشرت عبر الإنترنت من خلال شباب طيبين قليلي الاحتكاك أو الدراية بممارسات النظام القبلية خدعتهم النبرة العاطفية في الخطاب وأخافهم التهديد بالانفلات الأمني وخراب مصر، ثم أطلقت فيروسات المؤامرة فهي مؤامرة من قطر لا هي من إسرائيل لا بل أمريكا... ثم جمع كل هذا في أسطورة فكرية تشغل الناس وتخيفهم، وقد فندنا ما استطعنا من تلك الفيروسات أولا بأول قدر استطاعتنا على مجانين وعلى الفيس بوك، ولكن لابد من الشهادة لهم أنهم بدؤوا يحاولون كسب أو تحييد جزء من الشعب وقد نجحوا..... لكنني أظن أن إصرار الرافضين لمبارك سيبقى يكسب أعدادا أكبر....... واللعبة الآن ثمنها فعلا لابد يدفعه الناس وأحسبهم سيدفعون لأنهم يبقون أكثر عندا من الفرعون!
رغم محاولة الإعلام الحكومي الإيحاء للناس بأن المشاكل انتهت وبأن من المهم أن تعود الحياة اليومية للمواطنين إلى سابق عهدها ورغم تنامي أعداد المصريين الذين أيضًا يريدون إنهاء وقف الحال الحالي بأي نتيجة حتى لو كانت بقاء الفرعون، رغم ذلك فإن خبرة معظم المصريين مع النظام على مدى التاريخ تشير إلى أن التوقف الآن أو التراجع هو انتحار لكل المشاركين وللجميع خذلان مبين، فليس أسوأ سلوكا من ديكتاتور أجهض ثورة شعبه....... الجميع باختصار يعرف أنه في حال لا قدر الله فشلت الثورة في إسقاط الفرعون، فسيتم سحل منفذيها ونفي كل من عاونهم أو ساندهم بأي شكل رأته الحكومة أو حتى سمعت به! وهو ما يعني أن التوقف عن زخم المطالبة بسقوط الفرعون في ميدان التحرير هو بمثابة انتحار للثورة ومن ثاروا معها مؤيدين بكل شكل.
تنازلات تبدو وكأنها تتوالى بعد فوات الأوان بكثير ولم تعد لها من تأثير إلا زيادة الإصرار على أعلى نقطة في سقف المطالب وهي رحيل مبارك.... صحيح أن ما فعله من تغيير لأمانة الحزب الوطني ولجنة السياسات بما في ذلك محو اسم جمال مبارك هو تنازل ضخم فعلا إلا أنه مع الأسف أيضًا ما يزال دون السقف الذي يصر عليه الناس.
وحقيقة يبدو المصريون في منتهى خفة الدم والحذق وهم يرددون هتافهم الذي بدأ يتردد في أسبوع الصمود وهو: ارحل يعني امشي! يمكن مبيفهمش! في تعبير عن استغرابهم من عدم استجابته لمطلبهم الواضح بالرحيل،.... فهم يرونه يستجيب بأقل مما هو مطلوب وبالتالي ربما يكون لم يفهم فمرة يوضحونها له بهذه الطريقة ومرة يقولونها له بالعبري! لعله لا يفهم العربي.....
هذا النوع من الإهانة العلنية غير مسبوق لرئيس في الحكم في مصر وهذه نقطة في منتهى الأهمية لابد أن تؤخذ في الحسبان بالنسبة لمن يفكرون في مخرج من الأزمة..... فالدول العربية ومنها مصر يعتبر شخص رئيس الدولة فيها محصنا إلى حد كبير وأقصى ما كان يحدث في الماضي كانت الهتافات التي تتهمه أو رموز حكمه بالعمالة لإسرائيل أو لأمريكا.... وما حدث في المحلة الكبرى منذ فترة من إسقاط لصورة الرئيس على الأرض ودهس لها بالأقدام كان حديث المصريين وصور ذلك تبادلتها محاميل المصريين كلها وحتى الفترة الأخيرة من الممكن أن تجد مصريا لا يصدق أن صورة الرئيس دهست بالأقدام فهذه ليست صورة علم أمريكا أو إسرائيل أو صورة بوش أو شارون إنما هو الفرعون المقدس المحصن..... لا يمكن أن يترك هذا الفرعون على رأس مصر بعد ما أهانه المصريون على مستوى العالم.... فقد خرجت تظاهرات في معظم بلدان العالم التي يوجد فيها مصريون..... وهي تقريبا معظم الدول المتقدمة ولم يتورع أحد عن سب الفرعون علنا..... وهذا غير مسبوق في مصر!
واحدة من الصور الكاريكاتورية التي رسمها أحد راسمي الكاريكاتير الأجانب تبادلتها صناديق البريد الإليكتروني بين المصريين والعرب تظهر تلك الصورة خريطة غزة الصامدة محاصرة بين البحر المتوسط وذراعي كل من أولمرت ومبارك في حالة تصافح.... تمنيت وأحسب كثيرين غيري تمنوا نشر تلك الصورة لكن الوقت لم يكن قد حان ولا كنا نحلم أن سيحين، لأن المساس بشخص الفرعون يفتح على من يتجرأ أبواب جحيم أمني هو وعائلته وربما جيرانه.
ما أجمل أن يضع أقباط مصر شرطات عريضة تحت أنهم يشاركون الشعب المصري ثورته كجزء من الشعب، وذلك كي لا يستغل أي شخص عدم وضع هذه الشرطة فيدعي أن الذين قاموا بالثورة إسلاميون، ويصبح البطش بهم مبررا..... يوم الجمعة جاء خبر صغير عن أن مجموعة من شباب الأقباط كانوا يحرسون المسلمين وهم يصلون الجمعة في الميدان... دمعت عيناي عند سماع ذلك، لكنني بقيت خائفا من أي دقٍّ للأسافين رغم ذلك حتى كان ما سمعته اليوم من أن أقباط مصر سيقيمون قداس الأحد في ميدان التحرير وتمنيت أن ينتبه المسلمون إلى أهمية رد الجميل غدا.
يتبع : .............. ساخن من مصر أيام الغضب أحد الشهيد
واقرأ أيضاً:
الحالة النفسي سياسية / لماذا رفض المصريون مبارك / مواصفات الرئيس القادم