(105)
صورة الذات لدى رجل الأمن
والآن وبعد أحداث الخامس والعشرين من يناير انكشف ضعف الجهاز وأصبح يشعر بأنه مهزوماً مرعوبا. وهنا ستكون الطامة الكبرى فجهاز كهذا سيتحول إلى وحش مفترس يقضي على من يعترضه حتى يشعر أنه مازال قوياً. فصورة الذات لدى رجال الأمن الآن وفي هذه المرحلة مشوهة ومُحطمة إلى الحد الذي أتصور معه أنهم إما أن يقتلوا الناس بوحشية بالغة للحفاظ على توازنهم النفسي؛
وإما أنهم سينتحرون بالفعل لأنهم لن يقدروا على الاستمرار في الحياة بشكل محترم. فإقدام رجال الأمن في الإسكندرية على قتل هذا الشاب الأعزل الذي خطى نحوهم بثبات ووقف أمامهم كاشفاً صدره غير خائفاً من رصاصهم؛ لم يقتلوه إلا لأنه كشف عوراتهم وأنهم ضعفاء مهزوزون. فلم يحتملوا أن يواجهوا هذه الحقيقة المرعبة فكان القرار بقتله حتى يطمثوا حقيقتهم وتدفن معه في التراب. ولكن حمداً لله أن قام أحدهم بتصوير هذا المشهد حتى يكون شاهداً على ضعفهم وجبنهم.
لهذا أعتقد أن كثير من رجال الشرطة والأمن كان ضالعاً في عمليات السرقة والنهب التي حدثت يوم الجمعة في الثامن والعشرين من يناير، لأنهم يعرفون جيداً أنه لا مكان لهم بعد اليوم أو أنهم لن يحتملوا الاستمرار بالعمل في هذه الأجهزة الأمنية بعد هذه الإهانة التي وقعت عليهم؛ فقط بسبب انكسار الخوف منهم لدى رجال الثورة. فقام هؤلاء بسرقة ما خف وزنه وثقل ثمنه لتأمين مستقبلهم بعد الخروج من الخدمة.
وقد يتحول هؤلاء حسبما أتصور أيضاً إلى العمل كمرتزقة في أجهزة أمن رجال الأعمال ليقوموا لهم بالمهام القذرة؛ وقد يصل ببعضهم الأمر للعمل لدى جهات أمنية في دول أخرى كفرق للتعذيب كما كان يعمل بعضهم في المعتقلات الأمريكية للمعتقلين من القاعدة. ومن لن يفعل ذلك فإنه سيكون في منتهى البطش والعنف والوحشية بالشعب حتى يثبت لنفسه أنه مازال موجوداً كما كان وهؤلاء هم الذين سيبحث عنهم النظام في المرحلة القادمة وسيكونون أدواته في الانتقام من الشعب. سيكون الانتقام عنيفاً وقاسياً لأنه سيكون انتقاماً مزدوجاً يحقق أهداف النظام وأهداف رجال الأمن الشخصية. لهذا على شباب الثورة أن يحترس لنفسه وعلى الثورة وألاّ يصدق هؤلاء ولا وعودهم الكاذبة فإنهم بكم يتربصون.
(106)|
وزارة الداخلية
أتصور أنه لا يمكن أن ينصلح حال وزارة الداخلية في تعاملهم مع الشعب، ذلك لأن هذا الجهاز من أصغر مندوب شرطة فيه وحتى الوزير نفسه قد تربى وترعرع وأحيل للتقاعد في ظل قانون الطوارئ. هذا القانون الذي أطلق العنان لكل أعضاء هذا الجهاز أن يبطشوا بالشعب دون مساءلة أو حساب، حتى أصبح هذا الجهاز عامل جذب لأن يعمل به المرضى وأصحاب الاستعداد النفسي للسلوك الإجرامي. لهذا أعتقد أنه علينا الانتظار طويلا حتى يتغير سلوك هذا الجهاز مع الشعب ولن يتحقق ذلك إلا بالإجراءات التالية:
1- إلغاء قانون الطوارئ.
2- تعديل نظم التعليم والتدريب التي يتربى الطلاب عليها في كليات الشرطة.
3- جعل جهاز أمن الدولة تابعاً لوزارة العدل وليس الداخلية.
4- منصب وزير الداخلية يجب أن يكون سياسي فالوزير يجب ألا يكون من أبناء هذا الجهاز ويا ليته يكون قاضياً في العشر سنوات القادمة؛ حتى يكبح جماح هؤلاء المرضى؛ ولكي نضمن أن يكون لدينا بعد خمسة عشر عاماً جيل جديد من العاملين في هذا الجهاز لا يحملون صفات وأمراض الجيل الحالي.
(107)
النظام يلتقط أنفاسه
لا أتصور أن إصرار مبارك على إكمال مدته سببه رغبته في قيامه بمسئولياته تجاه الوطن أو خوفه على مصر من الفوضى أو احترامه لنفسه التي لا يرغب في أن تكون نهايتها على هذا النحو. فلو كان الرجل يحترم نفسه بالفعل لكان ترك الحكم بمجرد معرفته أنه مكروه كل هذا الكره من كل هؤلاء الناس شباباً وشيوخاً. فالرجل يصر إذن على البقاء في السلطة ويصر أيضاً على التوريث. كما أنه يبدو لي أن الرئيس لا يريد سوى مدة التسعة أشهر المتبقية له حتى يستعيد توازنه وينهي على هذه الثورة بالكامل. فحسب تصريحات المسئولين أن الشرطة وأجهزة الأمن في حاجة إلى ستة أشهر حتى تستطيع القيام بواجبها ثانية كما كانت تقوم به من قبل.
وهذا يعني أن جهاز الأمن والشرطة في حاجة إلى هذه الفترة حتى يستطيع البطش بيد من حديد وبمنتهى العنف لينهي على ما تبقى من صمود الثوار. وكأن لسان حال النظام يقول فقط أعطوني ستة أشهر لأنهككم خلالها، فإن لم تيأسوا ولم أتمكن من تقويض الثورة وبث الفرقة بينكم، فسأقضي عليكم بضربة واحدة بجهاز الأمن الذي سيكون أسترد عافيته ليفعل بكم ما يفعل وليقضي عليكم قضاء مبرماً لا تقومون بعده أبدا.
(108)
حتى نخلصهم من الخوف
البعض ممن يهتفون للنظام وغير مستفيدين منه أو من غير المحسوبين عليه يؤيدون النظام وبشدة، وهذا في تصوري قد يكون سببه شدة الخوف من النظام ومن بطشه الذي وصل بهم إلى التوحد بالنظام الذي يعتدي عليهم حتى يشعروا بالقوة التي يروها في هذا المعتدي. فالتوحد بالنظام يجعلني أصدق ما يقوله وأفعل ما يطلبه فأكون ملكياً أكثر من الملك. حتى نحرر هؤلاء ونخلصهم من قيدهم ومن سجنهم الذي يعيشون فيه؛ فيجب على شباب الثورة أن يستمروا ويستمروا في ثورتهم، بل وعليهم إهانة النظام قدر ما يستطيعون حتى يصدق هؤلاء المساجين في سجون الرعب من النظام أن ما يرونه حقيقة وليس حلم، بل على هؤلاء المساكين أن يجربوا المشاركة في المظاهرات وأن يهتفوا ويصرخوا في وجه النظام حتى يخرج خوفهم ويتخلصوا من توحدهم بالنظام. حتى يدركوا أنهم حقيقة قائمة وأنهم لم ينتهوا بعد وأنهم أحرار. فهذا حقهم علينا أن نخلصهم من خوفهم كما تخلصنا نحن.
(109)
يقتل القتيل ويمشي في جنازته
كشفت لنا الحقائق اليوم عن أن من خطط ونفذ جريمة كنيسة القديسين هو النظام بأيدي مجرمي مبارك من حبيب العدلي ورجاله، وراح بعد ذلك يبكي عليهم ويتوعد بالانتقام لهم من الفاعل، تماماً كما وقف اليوم مجلس الوزراء دقيقة حداداً على شهداء الاعتصامات وهم الذين قتلوهم. فإذا لم يكن لدى مبارك أي مانع من تنفيذ هذه الجريمة لتثبيت نظامه الذي كان مستقراً أصلاً، فما الذي يمنعه إذن من تنفيذ أي شيء الآن حتى يثبت أقدامه المكسورة بالفعل. يشير ذلك إلى أن النظام مستعد للتضحية بكل الشعب المصري حتى يستمر ويبقى. قد تكشف لنا الأيام أيضاً عن أن من فجر محطة الغاز ليس إلاّ رجال النظام نفسه حتى يقنع إسرائيل أنهم سيكونون في خطر إذا ما رحل مبارك، خاصة أن النظام صرح بأن المسئول جهات أجنبية وقد يقصد بذلك الإشارة إلى حزب الله أو الجهاد الإسلامي في غزة، كما ظل لسنوات يرعبهم من الإسلاميون في مصر.
العملية قد استهدفت بالأساس الغاز المصدر للأردن وليس إسرائيل، وكأن الرسالة فيها تهديد بأن الضربة القادمة ستكون مباشرة لإسرائيل. فالأمر إذن ليس أكثر من فرقعة في الهواء للترهيب ليصل الغرب إلى عمل أي شيء لحماية إسرائيل ومصالحها التي سوف تتأثر برحيل مبارك. سيكتشف الغرب سريعاً من هو الذي خطط ونفذ هذه العملية. عموماً شكرا للنظام فقد ألهمتنا بتنفيذ عمليات كهذه، وسوف ينقلب عليك الغرب وتزداد حالة الضغط الخارجي على مبارك ليغادر البلاد إذا ما شعر الغرب بتهديد مباشر لمصالحه بسبب وجود هذا النظام.
السؤال الآن هل يمكن لأي فرد أو جماعة من استخدام قناة السويس كوسيلة للضغط على الغرب خاصة وأن الجميع يعلم جيداً بأن دخل قناة السويس لا يذهب لخزانة الدولة وإنما يدخل في حسابات رئاسة الجمهورية. فضرب أي سفينة في القناة بما يؤثر على الملاحة فيها سيكون ورقة ضغط على مبارك للرحيل وأيضا سيؤثر على أرباح مبارك اليومية. هل يمكن أن يحدث هذا؟ بالطبع لا أتمنى ذلك حفاظاً على سمعة مصر في الخارج ولكن كل شيء واردد على ما أعتقد. سيتحرك ضدك الغرب ولن تجد منهم من يرغب في استقبالك ليس فقط خوفاً من المصريين ولكن غضباً منك وقد يأتي الكثير من هذا الغضب على عائلتك فيحجزون على أموالك وثرواتك وليس بعيداً أن يسلموا أفرادد أسرتك واحداً تلو الآخر لمحاكمتهم في مصر على جرائمهم التي ارتكبوها في حق الشعب المصري.
(110)
بدل ولاء
يصعب علينا أن نتوقع من قيادات الجيش أو أي قيادة في البلد أن تنقلب على النظام وهم مستفيدون منه أكبر استفادة على الإطلاق حتى لو كانوا من الشرفاء الذين يتميزون بالنزاهة والاحترام. هذا الاعتقاد الراسخ عندي منبعه حقيقة واحدة وهي أن النظام يصرف لجميع القيادات سواء في الجيش أو الشرطة أو جميع الأجهزة الحكومية وخاصة الحساس منها مبالغ شهرية رهيبة؛ إضافة إلى عن رواتبهم بالطبع. والبند الذي يستلم به هؤلاء هذه المنح يسميه النظام "بدل ولاء".
طبعاً الولاء هنا لرئيس الجمهورية وليس الولاء للوطن. ويصل بدل الولاء هذا في بعض الأحيان إلى مبالغ تفوق المائتا ألف جنيه شهرياً. بالله عليكم لو أن الرئيس يعطي لأي منكم بدل الولاء هذا هل تستطيع قول كلمة لا للرئيس؟ لعل هذا هو السبب وراء غطرسة الرئيس وسب أي مسئول يعكر مزاج سيادته وتهديده له بأنه قادر على إعادته لسيرته الأولى؛ ولا تجد من المسئول سوى طأطأة الرأس. وقد يكون هذا أيضاً هو السبب وراء سعي الكثيرين إلىى الحصول على أي منصب ليحظى بهذه الهبة من الرئيس مهما كان الثمن الذي سيدفعه. وفي النهاية قد يكون بدل الولاء هذا هو ما يجعل الكثيرين الآن حريصون على بقاء النظام.
(111)
الري بالتنقيط
طبعاً لأن النظام يستخدم سياسة الري بالتنقيط مع الثوار فيمنحهم التنازلات بنظام "التاتا تاتا"؛ والتي لا تبشر بانهيار النظام أو رحيله في القريب العاجل بل تعطي الانطباع بأن مبارك لن يستسلم وأنه مازال مصراً على التوريث. لن أتحدث عما يفعله النظام ويدل على وجهة النظر هذه ولكن سأتكلم عن كيف سيكون التنقيط المتوقع في المرحلة القادمة وما هي العلامات التي قد تبشر بيأس النظام وقرب رحيله. ستكون الخطوة التالية هي الإفراج عن دفعة من المعتقلين السياسيين حتى يكسب النظام ارض تفاوضية وحتى يغير من صورة وجهه القبيح.
لن يفرج النظام عن المعتقلين دفعة واحدة وإنما سيقوم بالإفراج عنهم على دفعات حتى يطيل أمد التفاوض وحتى يوهم الثوار أنهم يحققون نصراً ولكن في الحقيقة أنهم لا يحققون شيء. ولا استبعد القيام بتضخيم صورة البطل لدى أي من هؤلاء المعتقلين ليكون في صفوف الفريق المفاوض مع النظام على أن يُظهر هذا الذي سيصنعه النظام بأنه الرافض العنيد لمطالبه حتى يحظى بثقة الجماهير فيتركوه يتفاوض عنهم وباسمهم، فيفعل بالثورة ما يفعله عباس بالقضية الفلسطينية.
قطرة الماء الثانية التي سيعطيها النظام في حال استمرار الضغط الثوري هي إعلان الموافقة على تعديل المادة 84 في الدستور لتعطي حق الإشراف القضائي. قطرات الغيث التي ستكون منذرة في رأيي الشخصي بسقوط النظام هي استقالة جمال مبارك من أمانة الحزب؛ لتنهي بشكل نهائي على حلمه بالتوريث ثم إلغاء قانون الطوارئ. فطالما مازال هناك قانون للطوارئ فعلينا أن نعلم أن النظام لم يستسلم بعد وأنه مازال مصراً على مخططاته في البقاء في السلطة. إلغاء قانون الطوارئ قد يكون هو المؤشر الحقيقي على قرب الرحيل.
7/2/2011
ويتبع >>>>>>: حكاوي القهاوي (27)
واقرأ أيضاً:
ساخن من مصر أيام الغضب أحد الشهيد/ فزورة الثورة: العملاق الأعمى، والكسيح المبصر/ قـراءة نفسيـ تحليليـة للحـدث السياسـي/ حكاوي القهاوي