يقولون بأن ثورة 25 يناير 2011 ليس لها قائد، وهذه حقيقة يستشعرها جيدا كل من شارك في المظاهرات أو وقف في ميدان التحرير حيث ترى مجموعات ضخمة تتحرك في تناغم وتوافق دون قيادة مركزية، وعلى الرغم من كونها مجموعات تلتف دائريا حول من يقومون بالهتاف (وهم متغيرون من وقت لآخر) إلا أن ثمة رابط خفي يربطهم جميعا وكأنهم كيان متكامل تكاملا حركيا.
والحقيقة العلمية أنه لا توجد ثورة بغير قائد يحركها، ولكن الثورة المصرية في 25 يناير 2011 كان قائدها العقل الجمعي المصري، ذلك العقل الذي اتفق على فساد النظام القائم وعلى ظلمه وتوحشه واحتقاره للمصريين وإذلالهم ولذلك كان الهتاف الأكثر سخونة في كافة المظاهرات هو "الشعب يريد إسقاط النظام".... ولقد أدرك العقل الجمعي المصري بأن النظام في مصر يختزل في الرئيس الذي يتحكم في كل شيء وأن كل من حوله كومبارس وسكرتارية لذلك توافق المتظاهرون على النداء برحيل الرئيس.
ومن يزور ميدان التحرير يدرك صعوبة تجميع الآراء وتوحيد الاتجاهات بشكل عملي بين هذه المجموعات المتباينة والمنتشرة في أرجاء الميدان، ومع هذا تحدث التوافقات بشكل أشبه بالسر العام.
وربما يعود السبب في ذلك أن الثورة كانت أكبر من أي قائد وهي تتجاوز قرارات أي شخص وكونها بلا قائد معلن وظاهر أعطاها زخما شعبيا هائلا، إذ لو كان لها قائد لاتفق معه البعض واختلف معه آخرون ولتفتت الثورة، أما أن يقودها الوعي المصري العميق فهذا أدعي للاتفاق والتوافق.
ومن الواضح أن العقل الجمعي المصري اختزن الكثير من الذكريات المؤلمة والأحداث المؤسفة والمشاعر السيئة لنظام مبارك، وما كان يبدو على السطح من تسامح هذا الشعب وخضوعه وخنوعه لم يكن يعبر عن حقيقة ما يجري بداخله، إذ كان أشبه بالجمل الذي يصبر طويلا على الإيذاء ولكنه يختزن الإهانة والاحتقار والذل لفترة ولكن حين ينتفض لا يسامح أبدا بل ينقض على من احتقره وأهانه وظلمه بكل عنف.
ولو كان للثورة قائدا معروفا لتم اعتقاله أو اغتياله أو تشويهه أو احتواؤه, ولكن العقل المصري الجمعي كان وما يزال عصيا على الاغتيال أو الاعتقال أو التشويه أو الاحتواء. ومع ذلك تأتي مرحلة من مراحل الثورة تحتاج لإفراز قادة أو قائد ليتم تفعيل روح الثورة في صورة برامج وخطط محددة, وسوف يحدث ذلك في وقته المناسب حين تصل الثورة إلى محطة التمكين, أما في مرحلة التحفيز والحشد فتكفي قيادة العقل الجمعي المصري ذلك القائد العبقري العظيم.
واقرأ أيضاً:
حديث ما بعد الثورة/ ماذا بعد الرحيل؟؟ بعد الفراق؟/ ما هو التوازن الذي نحتاجه؟/ حكاوي القهاوي