تقابلت مع صديقة عمري التي لم تفارقني أثناء دراستنا بالجامعة وتوأمي كما كانوا يطلقون علينا، ولقد تزوجت وافترقنا فترة طويلة بسبب سفرها. رزقها الله تعالى بثلاثة بنات ما شاء الله كالملائكة، ولكن لفت نظري نقدها المستمر لابنتها الوسطى فهي كما تقول لها: "أنت غبية، لا تستطيعين الاعتماد على نفسك مثل أختك الصغرى، أنت رخمة، وهكذا...".
كنت أنظر للبنتين الكبرى والصغرى فأراهما منطلقتين في اللعب باستمتاع أما الوسطى فوجهها عابس وتبكي لأتفه الأسباب وتحتاج لأمها في أي شيء بالرغم أن عمرها حوالي خمسة أعوام.
فما الذي يجعل البنت الصغرى "عامان ونصف" تنطلق هذا الانطلاق وتعتمد على نفسها بمنتهى الثقة؟ بينما الوسطى مكتئبة وباكية ولا تعتمد على نفسها في أبسط الأمور؟ وبالتالي تجهد أمها فتوجه لها هذا الكم الهائل من اللوم والنقد، فيستمر هذا المشهد من الطرفين!
تذكرت فترة حمل صديقتي بهذه الابنة الوسطى، فسألتها: هل تتذكرين فترة حملك بها؟ قالت نعم، قلت لها لقد كنت كارهة لهذا الحمل ولم تكوني ترغبينه لأنه كان فجأة ولم تكن مرت فترة كافية بالنسبة لك بعد الولادة الأولى، فكنت حزينة وغاضبة وغير راغبة.
فقالت نعم، فقلت لها ألا تعتقدين أن عدم رغبتك في إنجابها قد تكون سبب كآبتها وعدم اعتمادها على نفسها كأختها الصغرى وبالتالي إزعاجها الدائم لك والبكاء بسبب وبدون سبب؟
وفي الحقيقة لقد أثر في نفسي جدا انتقاد الأم الذي لا ينتهي لهذه الابنة فهي تقارن تصرفاتها بتصرفات أخواتها فتمدح الأخريات وتلومها علانية!
فقلت لصديقتي هل تظنين أن نقدك الدائم لها واتهامك لها بالغباء والقرف سوف ينهي ذلك؟ والذي فاجأني أنها لم تكن مدركة أنها تهينها أمامنا أو أنها تنتقدها بهذا الشكل الدائم إلا بعد أن سألتها.
فقلت لها تقبليها، فولادتك لها على غير رغبتك لم تكن اختيارها، وساعديها أن تعيش طفولتها باستمتاع وبذكريات جميلة مثل أخواتها.
ثقي بها وامنحيها حبك وحنانك ولا تربطي ذلك بأفعالها، أعطيها حبا بدون شروط أو مقابل، حتى تتغير ابنتك ولا تزعجك بهذا الشكل.
ثم أرى صديقة أخرى عندها ستة أطفال "أعانها الله وثبت عقلها" فأنا لا أستطيع زيارتها أكثر من ربع ساعة.
أرى ملامح التوتر والقلق الدائم على وجه ابنتها الثالثة، فهذه الطفلة مطيعة جدا، ومريحة جدا، تحتوي أي خلاف بأن تنجز المطلوب بنفسها، فسألت أمها ألا تشعرين بتوتر ابنتك هذه وقلقها الدائم بسبب وبدون سبب؟
فقالت لي "بالعكس دي هادية ومريحة وشاطرة و .....".
فشعرت بالأسى ثم قلت لها ابنتك هذه متوترة، فامنحيها الفرصة لتلعب ولا تهمشيها هذا التهميش فدائما يضربها أخوها ولا تفعلين شيئا، إنها طفلة فامنحيها الفرصة لتستمتع بطفولتها.
ولقد شعرت بها لأنني لا أتذكر في طفولتي إلا القلق الدائم والأرق والتوتر والذي حال بيني وبين الاستمتاع بطفولتي حتى أنني أشعر أنها كانت أسوأ مراحل عمري، لذلك أحاول تنبيه من أعرف للعناية النفسية بأطفالهم.
أرى الآباء يتعرضون لضغوط دائمة وأرى الأبناء يشربون من هذه الضغوط، فمن الجاني لنحاسبه؟
ما ذنب الأطفال حينما يولدون على غير رغبة والديهم؟ وهل سيتقبلونهم مضطرين بمبدأ "قدر الله وما شاء فعل، وإنا لله وإنا إليه راجعون"؟ أم مسرورين بمبدأ "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"؟
هل تفهمون أن هؤلاء الأطفال قد يكونون سبب سعادتكم في الدنيا والآخرة؟
هل تعلمون أنكم بتحفيظهم سورة الفاتحة سوف يكون لكم حسنات كلما صلوا حتى بعد موتكم؟
ولا أحد يعلم فقد تتبادلون الأدوار فيعطونكم بعد ما كانوا يأخذون.
عندما أسأل مقبلا على الزواج: هل أنت مستعد لتكون أبا؟ فيقول: "كل الناس بتخلف وخلاص"، فهل سيجىء اليوم الذي يطلب فيه المأذون من الزوجين شهادة دورة تدريبية عن الزواج وتربية الأطفال؟ أم سيستمر مسلسل تشويه الأبرياء؟
واقرأ أيضاً:
زينة المرأة ليست للإغراء مشاركة3/ سلمى صاحية ولا نايمة؟/ الفتاة النموذج
التعليق: لقد أسمعت إذ ناديت حيًا *** ولكن لا حياة لمن تنادي!!!