(1)
شاهدت فيديو «آية» المسمى: «الفرق بين البنت بتاعة حقوق المرأة وست البيت» ولم أكن لأهتم في الواقع بالكتابة أو التعليق على هذه الكارثة لولا أني علمت أن هناك احتمالاً أن تتعاقد قناة فضائية كبيرة مع آية على برنامج. لا يمكننا فصل فيديو آية عن اتجاه في الإعلام بتحقير والتقليل من شأن كل ما هو معني بحقوق الإنسان بشكل عام والتعامل معه باستخفاف وتسطيح وخاصة قضية المرأة وحقوقها؛ الفيديو كارثي بداية من اسمه: «البنت بتاعت حقوق المرأة» وكأن الشخص المطالب بحقوقه في المطلق شخص غريب نسميه باستهجان «بتاعت» .. ثم أكملت «وست البيت» وكأن ست البيت لا يصلح أن تطالب بحقوق أو كأن «بتاعت حقوق المرأة» لا يمكنها أن تكون «ست بيت».
(2)
المختصر كان كالآتي: فتاة تحمل سكيناً وتجلس في بار وأمامها كأس وعلبة سجائر.. تدخن وتسعل قبل إكمال كل جملة.. تتحدث بتشنج وغضب ومرارة وبصوت عال وصراخ غير مفهوم وضحكات هستيرية وتطعن علبة السجائر بالسكين مرددة «الرجالة ولا حاجة.. أنا عايزة أبقى زي الراجل في كل حاجة.. البسي اللي انتي عايزاه وامشي في الشارع.. دام يو – مع خلفية موسيقى ميتال -..انزلي نزلة السمان ببكيني وما حدش من حقه يلمسك واللي يلمسك حطي السكينة في بطنه وقطعيها.. روحي أي مكان انزلي بمزاجك وارجعي بمزاجك»
الحقيقة أني كنت على وشك الانهيار وأنا أسمع وأرى هذا الشيء!! لا يمكن تصنيفه حتى ككوميديا درامية «farce» فآية على الأرجح لم تلتقي في حياتها بمدافعة عن حقوق المرأة «ماسمهاش بتاعت حقوق المرأة يا آية» تلك الصورة التخيلية السخيفة والمبالغ فيها عن المدافعات عن حقوق المرأة في الأغلب استقتها آية من أفلام ومسلسلات دائماً ما تظهر المرأة المطالبة بحقوقها كإنسان لا يطاق وغريب الأطوار.. ولكن أخذتها آية إلى مستوى آخر من المبالغة تعتبر في نظري كارثية.
يا آية.. قابلت في حياتي عدداً لا بأس به من المدافعات عن حقوق المرأة، وقابلت أكثر العديد من النساء اللواتي كنَّ نموذجاً يحتذى به في الإصرار على أخذ حقوقهن في حياتهن اليومية بشكل فطري وتلقائي كأي إنسان سوي لا يقبل أن تهدر حقوقه، وياللمفاجأة! لا يصرخن مثل المجانين ولا يمشين بسكين يطعن قلب علب السجائر ولا يجلسن وحيدات في البارات يدخنّ ويسعلن ويضحكن بهستيريا ولا يحملن كماً مهولاً من الغضب ولا يكرهن الرجال.. كن سيدات في غاية اللطف والرقي ومتحملات للمسئولية ولا يعيب المرأة عزيزتي زواجها وطلاقها أكثر من مرة فإشارتك أن «بتاعت حقوق المرأة» تزوجت 4 مرات وانتهت كل زيجاتها بالطلاق وتلميحك إلى أن «بتاعت حقوق المرأة» لا تعمّر في زواج هو شيء مرفوض الحقيقة!
فبدلاً من أن يكون خطاب المرأة للمرأة فيه دعم لها بالتأكيد عليها بأن ترفض كل مرفوض وأن لا تقبل الاستغلال ولا المعاملة السيئة وأن الطلاق ليس نهاية العالم وأن من الطبيعي أن تفشل علاقات وتنجح أخرى وأن ضلك هو اللي فاضلك لا ضل الراجل ولا ضل الحيطة أراكِ تشجعين أن تقبل المرأة بأي وضع حتى لا «توصم» بأنها مطلقة! ثم زدتنا من الكفر بيتاً آخر بقولك بتهكم وبالأسلوب نفسه: «اوعى تسمحي له يضربك أو يمد إيده عليكي» وهنا فقدت قدرتي على الاحتمال!! هل العنف الجسدي مدعاة للسخرية! هل من المعقول أن نسخر من رفض أي إنسان للانتهاك الجسدي والاعتداء عليه بالضرب! ما هذا! تخلل هذه المشاهد مشاهد أخرى عن «ست البيت» السعيدة جداً باعتداء زوجها عليها بالضرب واعتبارها أن ذلك من علامات الحب والغيرة والاهتمام! وتردد أن «الست مالهاش غير بيت جوزها وطبعاً تغسلي له وتطبخي له» ووو… إلخ والتلميح مرة أخرى إلى أن «بتاعت حقوق المرأة» ترفض ذلك.
الموضوع ببساطة يا عزيزتي أن المرأة –المفترض- حرة في اختياراتها فلو اختارت أن تكون «ست بيت» أو أن لا تكون «ست بيت» هو قرارها وهذا هو لب الموضوع ويمكن تطبيقه على كل التفاصيل الأخرى.. المدافعات عن حقوق المرأة كل همهن أن تدرك كل امرأة أن الاختيار حق.. مهما كان هذا الاختيار المهم أن لا يملي أحد عليك كيف تتصرفين وماذا تفعلين وماذا ترتدين، وأن لا تجبري على فعل أي شيء ترفضينه وأن لك إرادة حرة، المرأة ليست كائناً فاقد الأهلية. ونعم من حقي كإنسان ومن حقك أيضاً أن تمشي في الشارع بأمان دون أن يعتدي عليك أحد ودون أن تسيري وعينيك في وسط رأسك: من حقك الشعور بالأمان.
(3)
ختمت آية هذا الفيديو بـ«وعظة» ظهرت فيها بعينين وحاجبين يحاولان إيصال معنى ما، وما وصلني كان «الامتنان» لا أعلم السبب! وبنبرة «ست العاقلين» مرددة: «يا جماعة يا جماعة هو يا إما يمين أوي يا إما شمال أوي في طريق في النص الراجل راجل والست ست.. ولازم نفهم إيه الحقوق اللي لايقة ع العيشة واللي الست فعلا محتاجاها» لم أرَ فرقاً بين آية الحقيقية وبين مشهد «ست البيت» الذي جسدته في الفيديو كنموذج من المفترض أنها ترفضه.. ولم أفهم ماهو الطريق اللي في النص! أي «نص» في موضوع مثل العنف الجسدي والضرب! هل هذا موضوع يحتمل أنصاف حلول؟؟! وما هذه الإضافة العظيمة بأن «الراجل راجل والست ست»؟! وماهي الحقوق اللي لايقة على العيشة؟! المفترض أن الحقوق حقوق للإنسان بشكل عام… يتساوى في الحقوق كل البشر.
(4)
مازال عندي الكثير مما يمكن أن يقال عن كارثية هذا الفيديو بدءاً من العنوان وحتى الوعظة الأخيرة ونسبة المشاهدة على يوتيوب تقترب من المئة ألف والتعليقات المؤيدة.. ولكن تبقى الكارثة الأكبر هو ظهورها في الإعلام المرئي في قناة فضائية ذات نسبة مشاهدة عالية جداً.
أرجوك يا آية لا تفعلي ما أنتِ عازمة على فعله ولنكتفي بهذا القدر.. أنت ببساطة ودون أدنى شعور بالمسئولية تهدرين نضال عقود وسنوات طوال من عمر نساء من جميع أنحاء العالم بذلن أقصى ما استطعن ليكسبونا بعضاً من الحقوق تسخرين منها أنت في فيديو تعتقدين أن دمه خفيف.. لولا نساء دافعن عن حقوق المرأة كنتِ ربما تباعين الآن في الأسواق كبضاعة وربما يتجادل رجلان بائع ومشترٍ في الثمن ويختلفان على خمسة جنيهات!
واقرأ أيضا:
المرأة والرجل على الميزان / رجل وامرأة وآذان صاغية / عندما يصبح الرجل أنانياً / الرياء وسيلة دفاع المرأة أمام الرجل!! / شكلها مش عاجبني