أنظمة الألم I مستقبلات الأذى ومسارات استقباله
خبرةُ الألمِ هي خبرةٌ شائعةٌ وعلاجها مهمٌّ ليس فقط في مكان حدوث الإصابة أو الالتهاب المسبب للألم وإنما أيضا في أماكن ضرر الأعصاب (مثلا الاعتلال العصبي Neuropathy)، وفي الحالات الأخيرة يمكن أن ينشأ الألم من مكان إصابة سابقة (مثلا الحثل الانعكاسي الودي Reflex Sympathetic Dystrophy)، أو قد ينشأ لأسباب أكثر إبهاما، وتسمى هذه الحالات الآن بمتلازمات الألم الناحي المعقدة Complex Regional Pain Syndromes ، وفي جميع الحالات فإن حدوث الألم عملية معقدةٌ ومُخَمِّدَةٌ وتحتاج إلى أسلوب تدخل متعدد الاختصاصات Multidisciplinary Approach يضم المختصين بعلم النفس والألم والوسائل العقارية.
تدابير علاج الألم Management of Pain:
يمكن أن يؤتى تسكين الألم باستخدام عدد من الاستراتيجيات المختلفة، وهناك علاجات تسكين كثيرة تعمل من خلال إنقاص الاستجابة الالتهابية المحيطية التي تنشط مستقبلات الأذية، وتعويقِ نقل العصب المحيطي بحقن مخدرٍ موضعي قد يفيد في بعض حالات الألم، لكن أذية أو قطع العصب المحيطي نفسه عادة لا تفيد في تحسين ألم الاعتلال العصبي، بل إن إصابة العصب المحيطي في بعض الحالات تسبب تكوُّن ورم عصبي Neuroma يتكون من نسيج ندبي Scar Tissue ومحاوير في محاولات تَجَدُّدٍ مُجْهَضَة وهذا يؤدي إلى توليد إشاراتٍ غير طبيعية تنقلُ في العصب المصاب وتستقبلُ كمنبهاتٍ مؤلمة، وفي تلك الحالات قد يفيدُ المريضَ الاسئصالُ الموضعي للورم العصبي.
وإكلينيكيا تم استكشاف تنظيمِ مدخول حس الأم للقرن الظهري خلال معالجات الألم، فمثلا وجد أن تنبيه مستقبلات غير مستقبلاتِ الأذية يمكنُهُ تثبيطُ نقل معلومات الأذية في القرن الظهري، وهو ما يعني أن مُنَبِّهات الأذية يمكنُ أن يُشَوَّشَ عليها أو يقللَ استقبالها من خلال التهييجِ المُضَّاد للمستقبلات الأخرى، وذلك باستخدام منبهاتٍ غير المُحْدِثَة للألم، وهذا هو أساسُ نظرية البوابة Gate Theory التي وضعها كل من وول وملزاك سنة 1965، ويستغل هذا إكلينيكيا باستخدام التنبيه الكهربي عبر الجلدي للعصب Transcutaneous Nerve Stimulation TENS في مناطق الألم، وكذلك تنبيه الأعمدة الظهرية نفسها في بعض حالات الألم المزمن، كذلك فإن المدخول فوق الشوكي يستطيع إحداث التغافل أو التشويش على المنبهات المؤذية عندما يُنَبِّه، كما يحدث في مواقف الكرب الشديد عندما يكونُ الانتباهُ لمنبهٍ مؤلم غير مفيد بالضرورة (مثلا في الإصابة أثناء الحرب)، وهذه النوى فوق الشوكية تُمْكِنُ المعالجة من خلالها إكلينيكيا باستخدام عقّاقير تؤثر فيها، وهذه العقّاقير هي تلك التي يشيعُ استخدامها لعلاج الاكتئاب Depression ، وهي عقّاقير يُفْتَرَضُ أنها تعمل على المشابك النورأدرينية والمشابك السيروتونينية الفعل، وقد اسْتُخْدِمَتْ في علاج حالات الألم، بغض النظر عن تأثيرها المضاد للاكتئاب، وأكثرُ مضادات الاكتئاب استخداما في علاج الألم هي مُثَبِّطَاتُ قَبْط الأميناتِ Amine Reuptake Inhibitors (مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقات Tricyclic Antidepressants)، ويبدو أن هذه العقاقير تغير عتبة إدراك الألم ولكن ليس دون آثار جانبية لأن لها أثرا محصرا على مستقبلات المسكارين (جفاف الفم والإمساك وتغيم الرؤية) وعلى المستقبلات الأدرينية من نوع ألفا α (نقص ضغط الدم الوضعي Postural Hypotension) والمستقبلات الهستامينية (النعاس).
إضافة إلى ذلك فإن معرفة كون المادة بي (SP) هي واحدة من الناقلات العصبية الرئيسية في مسارات استقبال الألم، أدى إلى تطويرِ أدوية مُسَكِّنَةٍ أخرى منها على سبيل المثال الكابسايسين (وهو المكون النشط في الفلفل الحار الأحمر) ويؤدي هذا العقار إلى تحريرِ المادة بي من مستقبلات الأذية، وبالتالي يُعَطِّلُ نشاط الألياف العصبية المحتوية عليها (من نوع C)، ويمكنُ استخدام هذا العقار موضعيا في بعض متلازمات الألم مثل الألم العصبي التالي للهيربس Postherpetic Neuralgia، لكن ربما يكون أكثر استغلالات هذا النظام شيوعا في المجال الطبي هو معالجةُ العصبونات البينية الإنكفالينية والمستقبلات الأفيونية باستخدام عقَّار المورفين ومضاهئاته للتحكم في الألم.
والمسكنات الأفيونية هي عقاقيرُ تحاكي الأفيونات داخلية المنشأ فهي تُسَبب تنشيطا طويلا للمستقبلات الأفيونية (عادة من نوع µ) وهذا التنشيطُ يقلل من نقل معلومات الألم في مشابك القرن الظهري للحبل الشوكي من خلال فعلها التثبيطي على العصبونات المرحلية Relay Neurons وكذلك تنشط هذه العقاقير عصبونات جذع الدماغ الأدرينية والسيروتونينية والإنكفالينية والتي تُسْقِطُ محاويرها في الحبل الشوكي لتثبيط العصبونات المرحلية في المسار الشوكي المهادي، وينتشر استخدام المسكنات الأفيونية لمعالجة الألم الممل غير دقيق التحديد والذي غالبا ما يكون حشوي المنشأ، إلا أن استخدامها المتكرر قد يسبب الاعتماد Dependence، وفي مدمني العقاقير نجد أن الجرعة الضرورية لإحداث حالة الشمق (المرح المرضي Euphoria) قد تتزايد بسرعة (تحَمُّل Tolrance)، بينما تعكس حاجة مريض الألم لزيادة الجرعة مسارا اشتداديا لألمه.
ويعتبر المورفين أكثر المسكنات استخداما في حالات الألم الشديد، لكنه ككل الأفيونات القوية قد يسبب الغثيان والقيء، ومن آثاره الجانبية أيضا الشمق وتثبيط التنفس والإمساك وضيق حدقة العين Pinpoint Pupil (ثقب الإبرة) وذلك لأنه ينبه نواة العصب القحفي الثالث، وأما الأفيونات الخارجية الأخرى المستخدمة في علاج الألم الشديد فهي الدايمورفين (الهيروين) والبيتادين والميثادون، وأما الكودين والديكستروبروبوكسيفين فهما عقّاران ضعيفان يستخدمانِ لعلاج الألم الخفيف أو متوسط الشدة، وأما عقار النالوكسون فله أثر مناهض على مستقبلات الأفيونات ويُستخدم لإزالة آثار الجرعات العالية (السامة) من الأفيونات.
إضافة لذلك فرغم أن الألم ينتجُ من ضرر الأنسجة، فإنه أيضا ينتج من ضرر أنسجة الجهاز العصبي نفسه سواءً الجهاز العصبي المحيطي أو المركزي ومن أمثلة ذلك ألم العصب الثلاثي التوائم (أو العرة المؤلمة Trigeminal Neuralgia) ويتميزُ بنوباتٍ انتيابيةٍ من ألمِ الوجه حيث يخبر المريض ألما في واحد من الفروع الثلاثة للعصب ورغم عدم معرفة سبب ذلك في معظم الحالات فإننا نجده في بعض مرضى التصلب المتعدد، ويمكن علاجه جراحيا بقطع جذر العصب المُكْتَنَف، وإن كانت معظم الحالات تستجيبُ للعلاج بعقّاقير علاج الصَرْع مثل الكاربامازيبين أو الجابابتين.
وكمثال آخر على متلازمات الألم الناشئة من ضرر النسيج العصبي ما نراه بعد إصابة جذع عصبي محيطي حيث يؤدي تغير التعْصيب المستقلي للطرف المصاب إلى حدوث ألم شديد (الحثل الانعكاسي الودي Reflex Sympathetic Dystrophy). وسبب حدوث تلك الحالة غير معروف رغم أن النهايات العصبية مستقبلة الأذية تظهر عليها مستقبلات للنورأدرينالين. وبالتالي فإن قطع الودي الموضعي قد يفيد في تخفيف الألم وإن لم تكن هذه النتيجة دائمة الحدوث.
المراجع:
Roger Barker, Stephen Barasi & Michael J. Neal (2003) : Neuroscience at a Glance. Paperback
* الصورة معربة عن موقع www.feelingprettyremarkable.com
واقرأ أيضًا:
تنظيم القشرة المخية / المجموع الحسي المستقبلات والمسارات الحسية / التحاس (التحويل الحسي) في الحواس الخاصة