ما يطرحه سيد البيت الأبيض الجديد من ضرورة بناء علاقات جيدة مع روسيا فيه الكثير من المسوغات الواقعية والمنطقية والتأريخية، فالدولتان من أكبر الدول النووية، وتصادمهما يعني احتراق الأرض، كما أن التقارب الأمريكي الروسي يساهم في حل العديد من المشاكل القائمة في العالم. قد يكون الطرح مرفوضا حتى من قبل أعضاء الحزب الحاكم، ومن القوى واللوبيات التي تتأثر مصالحها وتخسر هيبتها وأرباحها وتكسد بضاعتها.
لكن الواقع التأريخي يشير إلى أن أمريكا في زمن (فرانكلن روزفلت) تحالفت مع روسيا في زمن (ستالين)، وبسبب هذا التحالف تم حسم الحرب العالمية الثانية والقضاء على النازية، فالتأريخ المعاصر يشير بوقائعه ودلائله أن التقارب الروسي الأمريكي يعني حل النزاعات الكبرى في الأرض.
وبعد الحرب العالمية الثانية أخذت العلاقات تتردى ما بين القوتين فدخلت الدنيا في مسيرة الحرب الباردة، التي انكمشت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي واضطراب الأحوال في دوله في فترة التسيعينيات من القرن العشرين، وكانت سوح الحرب الباردة هي المنطقة العربية والدول الضعيفة أو التي تتقاطع فيها المصالح، فظهرت دول شرقية وغربية في معظم قارات العالم وفي المنطقة العربية كذلك.
وبعد أن استعادت روسيا قدرتها ورتبت أوضاع قوتها وتماسكها الداخلي والاقتصادي، برزت عضلاتها وصار التفاعل ما بين القوتين يتخذ مسارا آخر يمكن تسميته بالحرب الدافئة، التي هي سلسلة من الاختبارات التفاعلية التدميرية الدامية في سوح الوغى بديار الآخرين وخصوصا المنطقة العربية، وكأنها بمثابة تمرينات أو إستعدادات للحرب الساخنة الطاحنة الماحقة، الحارقة بقدراتها النووية وما بعدها من آلات الفتك بالوجود المادي والبشري.
ومن الواضح أن ما يتحقق في المنطقة العربية وما حولها مرهون بهذه العلاقة ما بين القوتين النوويتين الضاربتين. وما يسعى إليه الرئيس الجديد في البيت الأبيض فيه الكثير من الصواب، لكنه يواجَه بعنفوان الرفض والتشكيك، وكأنه يخوض معركة صعبة مع القوى المعتاشة على الصراع القائم ما بين أمريكا وروسيا.
بينما التقارب أو التحالف الأمريكي الروسي، سيسهم في حل مشاكل العالم والجنوح إلى آليات السلم العالمي، كما حصل في الحرب العالمية الثانية وما بعدها، فلولا التحالف آنذاك، والذي أخرج أوربا من دوامات الاحترابات المزمنة، لما تمكنت من التقدم والازدهار والاتحاد، لأنها تمتعت باستقرار نسبي على مدى نصف قرن أو أكثر.
ومن هنا فإن هذه الخطوة إذا كُتب لها النجاح فأنها ستكون لصالح دول المنطلقة العربية، ذلك أنها ستسهم في حل المشاكل والصراعات وتحقق السلام (العربي – العربي) و(العربي – الإقليمي)، ذلك أن أنظمة دول المنطقة غير قادرة على حل أبسط المشاكل، بل هي ذات مهارة عالية لتوليد المشاكل وتطويرها، ولا يمكن الإتيان بما يشير إلى أن دولة واحدة في المنطقة قد تمكنت من حلّ مشكلة داخلية أو (عربية – عربية) أو إقليمية.
ولهذا فإن التحالف الأمريكي الروسي إذا حصل فإنه سيكون نافعا للدول العربية، لأنه سيساهم في حل مشاكلها بأنواعها، فالعرب يختلفون عن غيرهم لأنهم يطلبون من الآخرين التدخل في شؤونهم وإيجاد الحلول لمشاكلهم التي يجيدون تفاقمها!!
قد يكون الطرح غريبا لكن الوقائع التأريخية والدلالات التفاعلية تشير إلى أن الدول العربية لا يمكنها الخروج من مآزقها التصارعية إلا بتحالف هاتين القوتين، لأن مصيرها مرهون بإرادتهما، فهل أن ما لا يمكن توقعه سيكون فيه خير، لننتظر أجوبة الأيام الحافلات بالمفاجآت؟!!
واقرأ أيضاً:
مصر العربية الكبرياء!! / دول بلا غيرة!! / أمريكا وروسيا وأوربا وآسيا؟!! / لماذا يتدخلون في شؤوننا؟!