يبدو أن المجتمع البشري يخطو باتجاه تجاوز الديمقراطية ويستعد لقراءة الفاتحة على روحها الطاهرة، ذلك أن السلوك الديمقراطي يؤخذ من قبل الأنظمة على أنه عدوان عليها، عندما يتنافى وإرادة الكراسي الفاعلة في المجتمع. ففي الدول المدّعية بالديمقراطية أو الحديثة العهد بها، أي احتجاج أو تظاهر ضدها يُحسب على المندسين وغيرهم، أما في بعض الدول الديمقراطية العريقة فإن الاحتجاجات صارت تحسب على أنها نشاطات لمشاغبين محترفين يستلمون أموالا مقابل سلوكهم الاحتجاجي.
وبهذا الاقتراب العدواني تكون الديمقراطية مجرد لفظة للخداع والتضليل والامتهان ومصادرة حقوق الناس، بل ووسيلة لدفعهم إلى إفناء بعضهم البعض. فالواقع البشري يؤكد أن الدنيا ومنذ الأزل تمضي على إيقاع الاستبداد والتسلط الفردي والعائلي والديني، وما عرفت التفاعل الديمقراطي في تأريخها إلا نادرا، ولا يمكن إثبات فترات حكم ديمقراطي في العصور القديمة، إلا في الزمن الذي بدأ بهجرة المسلمين إلى المدينة وانتهى بمقتل عمر بن الخطاب. وبعد ذلك حاول علي بن أبي طالب أن يستعيد تلك الروح التفاعلية اِلإنسانية السامية لكنه انتهى إلى ما انتهى إليه.
وقبل ذلك وبعده لا يوجد غير اِلاستبداد والاستعباد والظلم ومصادرة حرية التفكير والتعبير عن الرأي والتظاهر واِلاحتجاج، فالناس عليها أن تسمع وتتبع ولا تُسمع أبدا.
واليوم نتحدث عن سماع رأي الناس وتلبية حاجاتهم، وهذا أمر لا تزال البشرية في بعدٍ عنه، وإن مارسته لعدة عقود لكن الانتكاسات عاصفة والتحولات زاحفة، وبين فترة وأخرى تنتصر الديكتاتورية وتتحكم بمصير البشر والأوطان. فالعديد من الذين أوصلتهم الديمقراطية إلى سدة الحكم قد تحوّلوا إلى مستبدين ومدمرين لشعوبهم وأوطانهم، وفي أوربا أمثلة وفي غيرها كذلك.
فالديمقراطية قد تبدو في أحيان كثيرة على أنها وسيلة لامتطاء ظهر المجتمعات والشعوب وسوقها إلى حيث يريد المتحكم بمصيرها، وما عليها إلا أن تستسلم وتمضي مرغمة إلى حيث لا تريد. وما يحصل في أمة ديمقراطية متقدمة من إجراءات، إنما هو محاولة لنسف الروح الديمقراطية والوصول إلى منبر الاستبداد والتفرد بالسلطة، لكن الدستور والنظام القضائي لا يسمح بذلك لرقابته الشديدة وحسه الدستوري النزيه.
وهكذا يمضي الصراع شديدا بين الديمقراطية والاستبداد، ولن تستقر الديمقراطية، فالصولات الاستبدادية عليها تتكرر، ولن تنتهي أبدا، وستبقى تنتهز الفرص المواتية، وقد تنتصر ذات يوم ما. وفي زمن التواصل السريع بين البشر، فإن أعداء الديمقراطية سيتخذون من التوصيفات السلبية ذرائع للانقضاض على الديمقراطية، وتسفيه التطلعات البشرية والانتقام من المعارضين للسلطة بالرأي ولمنع التعبير عن الإرادة الإنسانية.
فأنت إما مشاغب محترف أو مندس بين المتظاهرين، وتلك لعبة من تأليف الشياطين!!
واقرأ أيضاً:
لماذا يتدخلون في شؤوننا؟! / قرن الكذب الفتاك!! / دولة الشخص وشخص الدولة!! / لا جائع ولا متشرد في الصين!!