"وما أبريء نفسي إنّ النفس لأمّارة بالسوء" (يوسف: 53)
ما هي هذه النفس؟
وما هي صفاتها؟
وما هو دورها في حياتنا وتفاعلاتنا اليومية؟
النفس الأمارة بالسوء هي أحط درجات النفس، وأكثرها انفلاتا ووحشيةً، وتعبيرا عن الأنانية واللذة، والإمعان بالذاتية المقيتة بلا حدود.
نفس إذا تحررت من رادعها ومراقبها جعلت البشر كالوحش الجائع في الغاب.
وقد جاءت الأديان والعقائد السامية لتهذيبها، ومنحها بعض المفردات الإيجابية في النظر والتفكير، وإخراجها من ظلاميتها والوصول بها إلى مسارح النور والأمل، والحياة الحرة ذات القيمة الإنسانية، بعيدا عن أمّارات الويلات واليأس والفناء. هذه النفس هي التي تجعل البشر يبرر قتل أخيه، فهي نفس دموية مشبعة بالبغضاء والحقد والكراهية، وتنفث السموم المقيتة في كل مكان تحل فيه، وتقضي على البشر الذي تملكت إرادته، وسخّرت عقله لتبرير جرائمها وشرورها وأعمالها السيئة. وهي تسوّغ قتل الوعاء الذي يحويها عندما لا تستطيع التعبير عن سوئها وترجمة شرورها، وتنثر مشاعر الأحزان والأحقاد والكراهية بين الناس وتدعو للعذاب، وتتلذذ بقهر الذات ومعاناة الآخرين من حولها.
هي نفس سوداوية ظلامية لا تحقق الحياة، بل تصنع المآسي والنواكب والويلات وسفك الدماء، وتتأكد بأفعالها القاسية على سطح البسيطة المنكوبة بالمخلوقات، التي أوجعت ظهرها وأصابتها بالمكاره والآلام الرهيبة التي استعصت على الشفاء. كما أنها تتحكم فينا وتقودنا بعنفوان وشراسة إلى حيث تريد، وتلبس العديد من الملابس وترتدي الأزياء الملونة، التي تشيع في أعماقنا قوة الاندفاع إلى حيث التحقيق الأكيد لكل مراميها الغريزية السوداء.
النفس الأمارة بالسوء مخبوءة في أعماق البشر، وتحرك الضغائن وتوقد المشاعر السلبية ذات النتائج الضارة بالخير والمحبة والرجاء. والغريب في هذه النفس أن لديها طاقة فائقة على الجذب والتكاثر، لأنها ترضي اندفاع الرغبات المطمورة، وتحقق شعورا لذائذيا غريبا في الأعماق. هذا الشعور يدعو إلى تكرار المآثم والمظالم والارتقاء إلى حالة الإدمان المتواصل.
ففي عرف النفس الأمارة بالسوء، أن الحياة ليست من حق الآخرين، وإنما كل شيء من حقها ويعود لها، وكل لذة لذتها، وما في الأرض لا بد أن يكون في حوزتها. وهذا توجه عدواني مروّع وفقا لعقيدة السوء التي تقر بأن الحياة يجب أن تتحول إلى بركان ألم وأنهار دموع ومجازر بشرية متوحشة. فأصحاب هذه النفوس يحتسون خمر السوء، ويتحركون على ضوء ما يقرره في رؤوسهم من فقدان الحكمة والروية والصواب، ويرمي بهم وبمن حولهم إلى أتون الدمار السقري.
إن الإذعان للنفس الأمارة بالسوء، اضطراب سلوكي بشري بحاجة إلى وقفة تأمل ودراسة وتشخيص لوضع الحلول الناجعة، التي تمنع البشرية من السقوط ضحية لأهوائها ومقرراتها العمياء. ومما يحزن حقا، أن البشرية تتلذذ بعطاءاتها وإنجازاتها، وتندفع نحو طريقها وجحورها المظلمة بقوة وشراسة، لا تمنعها قدرات العقل والضمير الصالح. وبسببها تمضي في فواجع متواصلة، وتصنع وسائل فتك بشري مخيفة، وتتحقق المجازر، حتى لتصرخ النجوم وتئن الأرض من أهوال السوء، التي يقترفها البشر على ظهرها، فتستغيث إلى خالق الأكوان، وتستنجد بطاقات الصيرورة والبقاء التي تدير دفة المسيرة الكونية.
الأرض تعاني من شرور النفس الأمّارة بالسوء والبشر يدفع ثمنا كبيرا بسببها، وقد عانى الرسل والأنبياء من نيرانها وجورها وأصابهم منها أشد العناء، ولا يزال الإنسان الطاهر المعاني والأخلاق يئن منها ويكون هدفا لها، لأن النفس الشريرة تريد أن تسود وتلتهم الآخرين.
فهل سنخرج من سجن النفس الأمارة بالسوء، وهل سنرتقي إلى مدارات أخرى، تتحقق فيها إنسانيتنا ودورنا السامي في الحياة؟!
واقرأ أيضاً:
الصراعات وسائل نهب الثروات!! / أبوة الأخطار!! / الاستهلاكية الفكرية!! / البحث عن المفقود!!