تتعرض مصر العربية الأبية لهجمة عدوانية على مختلف المستويات وبنَفسٍ طويل وإصرار كبير، وتتعاون بهذا الاتجاه قوى وقدرات عربية وإقليمية وعالمية، ويشارك عرب في الإعداد والتخطيط والتمويل والتنفيذ. فالعرب فقدوا ذاتهم وموضوعهم، وما عندهم إلا مصر التي تؤكد وجودهم وقيمتهم ودورهم الحضاري والإنساني، وترفع رايات عروبتهم وتنطلق بهم في يمّ العواصف والأعاصير التمزيقية، لكن مصر العربية الأبية العزيزة تحيط بها الأخطار، والوحوش التي أكلت العراق وسوريا وليبيا واليمن، تريد أن تضعها على منزلق التدمير، لأن الوجود العربي لن يغيب ما دامت مصر حية قوية ذات جيش صامد وإرادة صلبة، ومناهج ثقافية وفكرية مؤثرة في صناعة الوجود المعاصر السليم.
مصر التي كادت أن تُفترَس لولا نباهة أهلها ونفاذ بصيرة قادتها وعزيمة جيشها وقِوى أمنها وشرطتها، التي باغتت الحالة وأمسكت بزمام الأمور قبل أن تصل إلى ما هو مخطط له ومرسوم. ومع انتصار مصر المشرف على إرادة الضياع والتمزق، وقدرتها على الحفاظ على السيادة والكرامة المصرية والعربية، فإن الحال لا يروق للذين رسموا خارطة المنطقة في القرن الحادي والعشرين، إلا أن تُرسم بالدم، فما عاد الرسم على الرمل أو الورق يجدي نفعا، ويأتي بغنيمة ذات قيمة ستراتيجية واقتصادية تمتص قدرات الشعوب، وتنهب ثرواتهم وتصادر مصيرهم لأجيال وأجيال.
ويبدو أن الذي جرى في الدول العربية المنكوبة يُراد له أن يكون في مصر، لكي يتم وضع الخارطة الجديدة والانطلاق بمنظومات المحق العربي والإسلامي، الذي سيعني أن هذا وذاك لا يمكنه أن يكون إلا من المجرمين، الذين عليهم أن يتعرضوا لأبشع العقوبات، بل إنهم من أعداء العصر، وأن على البشرية أن تتكاتف لتسويغ محقهم المطلق من وجه الأرض.
ومن المؤسف أن العرب أنفسهم يساهمون في العدوان على مصر وعلى العرب الآخرين، ويمررون المخططات ويبذلون الأموال لكي تعاني مصر ويشقى شعبها ويكون سهلا للتطويع والتركيع والعبث به وفيه، كما تحقق العبث المدمر في الشعب العراقي والسوري والليبي واليمني، فالعمل على تأهيل الشعوب للتمزق والتناحر والتقاتل يجري على قدم وساق.
والعجيب في الأمر أن هؤلاء وهؤلاء ينسون أو يتناسون أن مصر لا تُهزَم، وأن طاقات الأمة وقدراتها الحضارية والروحية تتجمع فيها وتنطلق منها، وأن مصر هي التي هزمت هولاكو في زمن كانت الأمة في أشد حالات يأسها وانكسارها، إذ وقفت بوجهه وأذاقته هزيمة الهزائم في معركة "عين جالوت"، فما بقي عنده بعدها قدرة على أن ينتصر، بل تلاحقت عليه المواجع والأخطار حتى لاقى حتفه.
إن مصر روح العرب ومنارتهم وعنوانهم وقوتهم ورمزهم وإرادتهم، فكلما انهارت القدرات العربية تكاثفت وتفجرت في مصر، التي تقود الوجود العربي نحو الرقاء والبقاء الأقوى والنماء الأوفى. تحية لمصر وعاشت عربيةً أبيةً متألقةً بشعبها المغوار، وتبت يدا مَن يعاديها!!
واقرأ أيضاً:
الإدراك الديمقراطي!! / لكل فضيحة واعظ أثيم!! / العمود الفقري العربي المكسور؟!! / قطرة حبر إرهابية!!