مقامات الأربعاء (4)!!
المقامة الخامسة:
حدثنا يحيى بن حيان وقال: التعاون يبني الأوطان، ويُطلق الطاقات ويستنهض الإنسان، وإن المجتمعات إذا تعاونت تنامت وربت، واستحضرت قدرات ما رأت وتفكّرت، ومَن لا يتعاون يتهاون، وفي القيعان يتطامن، فالتعاون تآمنٌ وتضامنٌ.
"وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" المائدة: 2
"إنما المؤمنون أخوة" الحُجرات: 10
"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" آل عمران: 103
وفي الحديث: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا"
والتعاون قوة، كما قال معن بن زائدة:
"تأبى العصيُ إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تَكسّرت آحادا"
ومضى يحيى بن حيان قائلا: تأملوا أجسامكم ففيها أعضاء متعاونة متفاعلة لإدامة قوتكم وصيانة حياتكم، ولولا تعاونها لهزلتم وضعفتم وتوسدتم التراب، فهل وجدم جسما صحيحا إذا اعتل عضو فيه، أو تنافر وأبى أن يتفاعل مع أعضاء الجسم الأخرى، فلو ضعف القلب لفسدت الصحة، ولو عجزت الرئتين لأصاب الجسم ما أصابه من الأضرار، وتلك حقيقة خلقية، وقانون حياة، وناموس كوني، فكل ما في الوجود يتعاون، ولا يمكنه أن يتواصل إذا غاب التعاون والتآزر، فكل موجود مرهون بغيره، ولكي نكون لابد لنا من إدراك قيمة التعاون وضروراته المصيرية.
ولهذا قالت العرب قديما بمفردات الواقع الكائن والسلوك الصائن: "لا يعجز القوم إذا تعاونوا"، كما قالوا: "يد الله مع الجماعة".
وتلك حقائق سلوكية مرهونة بالقوة والنجاح والرقاء والتقدم والفلاح والصلاح.
وقال يحيى بن حيان: لماذا لا تتعاونوا؟
أ لم تسمعوا أحمد شوقي يقول:
"ويجمعنا إذا اختلفت بلادٌ
بيانٌ غير مُختلفٍ ونُطقُ"
أم أنكم يصح فيكم وصف الرصافي بقوله:
"تجد الرجالَ قلوبها شتّى الهوى
مدّ الشقاق بها حِبالةَ غُولِهِ
مًتناكرين لدى الخطوبِ تناكرا
يعيا لسان الشعر عن تمثيلهِ"
و"نِعمَ المؤازرة المشاورة"
فتساعدوا وتعاضدوا، فالموج يتكاتف لينبثق التيار وتجري الأنهار، والخلق أمواج في سفر الجريان الكوني الدفاق، فتواشجوا وتصاهروا بعقولكم ونفوسكم وأرواحكم، لتصنعوا سبيكة والألفة والمحبة والانعتاق!!
ويتبع >>>>: مقامات الأربعاء (6)
واقرأ أيضاً:
لُغةُ الضادِ وضادُ الأمّةِ!!/ سَعادةُ أمّةٍ!!/ بذورُ أرى!!/ مَقامات الأربعاء