مصطلح "الشعب جاهل" يتكرر في الإعلام والخطابات السياسية المتنوعة، ومضت الأجيال على أنغام هذه الإسطوانة الغثيثة وما تبدلت الأحوال إلا نحو الأسوأ ثم الأسوأ. وتدحرجت عقود وتوسدت التراب ملايين الطاقات الشبابية الواعدة، ولا زلنا نسمع ذات الكلمات، وما تساءلنا لماذا الصين استطاعت أن تثقف شعبها البليوني في غضون عشرة سنوات، وكيف لماليزيا أن تنقل مجتمعها من حالة الفقر المدقع إلى آفاق النجومية الاقتصادية والإنتاجية.
ولو تساءلنا لكشف الجواب أن العلة في القادة الجهلة حتى النخاع، فمعظم مجتمعاتنا تتمتع بقيادات جاهلة بكل ما تعنيه كلمة جهل، بل إنها قيادات أمية في كل شيء وتتوهم المعرفة والقدرة على القيادة، والتحكم بمصير الناس الذين يغذون هذه الغفلة والأمية المدقعة.فالإناء ينضح بما فيه، والأمية القيادية لا تحتاج لإثبات وأدلة، فالواقع المتداعي هو الذي يشير إليها بوضوح ساطع وأليم.
فالدول التي تملك كل شيء ولا تنجز شيئا تبرهن على أنها تُقاد بأناس من صنف أجهل الجهلة، مهما توهموا وتصوروا بأنهم يعرفون، والدول التي لا يزال إعلامها يردد أن الشعب جاهل، إنما هي تعكس جهل وأمية قادتها الذين يستثمرون بتجهيل الشعب.
فالعيب الحقيقي في القادة وليس في الشعوب، ولا يمكن للشعب أن يكون ويتطور عندما يختار الجهلة لقيادته وتقرير مصيره بلا مراقبة ومتابعة وحساب، وعندما يتمتع بتحقيق التكاثر الأميبي للفردية والفئوية والاستبدادية باسم الديمقراطية وفقا لمعطيات الجهل والأمية الزاخرة.
إن الشعوب لا تحتاج لأكثر من عقد واحد من الزمان لكي تنتقل من الظلمات إلى النور، وهذا قانون زمني سائد في جميع الثورات والحركات العقائدية والدينية، وغيرها من حركات التحرر والتغير في مسيرة البشرية، أما الركون إلى القنوط والتهاوي في المستنقعات والتمتع بقوانينها الافتراسية الانقراضية والتمحن بمصادرها الناضبة، فإن الأمر يعني أن المجتمعات ترعى السلوك الانتحاري، وتساهم في الانقضاض على نفسها بعنفوان مروّع خطير.
فهل ستثقف القيادات نفسها وتعترف بأميتها وتقرأ في كل يوم كتاب لتكون مؤهلة للقيادة وبناء الأمل والحياة؟!!
واقرأ أيضاً:
أمة بلا فِكِر, أمة بلا ذِكِر!! / الروح الغائبة والوعي المهزوم!! / الارتهان البشري!! / صحيح أفكار وفحيح أسفار!!