العقول والأقلام منشعلة بصحيح فلان ومنهج فلان وقال فلان ابن فلان, في زمن من الأزمان, وكأنها لنضوب أفكارها تتخذ منه موضوعا وعنوانا, وما تساءلت عن صحيح أفكارها وآليات تفاعلها مع عصرها, وما هي مستلزمات صناعة حياتها وبناء أوطانها.
عقول ذات وساوس ماضوية وسلوكيات قهرية تأمرها بالإتيان بما لا تقبله الأذهان, وتنفر منه طبائع الحيوان والإنسان, فكيف بربك تكون أمة غارقة في متاهات كان؟!!
هذه العقول هي التي وضعت الأمة في صناديق الباليات وأغلقت المنافذ والأبواب والشبابيك, وحكمت على الأجيال بالتبعية والخنوع, وأحاطتهم بممنوعات ذات قدرات سلطانية متصلة بالكرسي, الذي أبدعت واجتهدت بتسميات الجالسين عليه, حتى صاروا يحكمون باسم ربّ أي دين.
وتجد الصفحات مكتظة بالكتابات عن الذي كتبته الأقلام قبل ألف عام أو يزيد, وكأن الدنيا قد توقفت منذ حينذاك, أو أنها تورطت بذاتها وموضوعها, وما عادت قادرة على الخروج من محنة قال فلان وكتب فلان, وأوّل وفسّر وأفتى فلان, وما هي إلا دوامات عثراوية يتمنطق بها العاجزون, ويسكرون بخمورها المعتقة في أقبية الظلمات وقوارير الأجداث والبائدات.
وبسبب سلوك العقول التي تسمى مُفكرة, وما هي إلا مُعثّرة ومًعضّلة, تم الاستثمار المتواصل بالجهل والإمعان بصناعة الأجيال الأمية لغويا وقرآنيا وأخلاقيا, لتكون معمعية الطباع وسهلة الانصياع والانقياد لإنجاز مصالح الممتهنين لوجودهم, باسم ما شئت من الآليات الدينية والحزبية والعشائرية والقبلية والمذهبية والطائفية, وغيرها من مسوغات تربية القطيع والاجتهاد بالتقطيع.
وتقف الأمة اليوم على شفا حفرة من الحيرة والاضطراب والغثيان والسفه التفاعلي على جميع المستويات, وكأنها ليست في عصرها, إذ تبدو غارقة في آبار الظلمات وحفر التداعيات وهي تجهز بأبنائها على أبنائها, وترتمي في أحضان الآخرين الساعين لافتراسها وتفريغها من مقومات وجودها العربي الأصيل, بل ومحق هويتها ومصادرة لغتها وتأريخها ومحو مسيرتها وإنكار وجودها الإنساني.
ولا يمكن للأمة أن تكون إن لم تتطهر من النفايات العقلية, وتتحرر من الباليات الفاعلات في تقرير مصيرها بتدمير حاضرها وإلغاء مستقبلها, فالأمة لكي تكون عليها أن تملك إرادتها المعاصرة وعقولها المتواصلة مع زمانها, وأن تنفض غبار الخزعبلات والمنطلقات السقيمة التي أصابتها بأمراض مستوطنة ومزمنة ذات مضاعفات خطيرة لا ينفع معها العلاج إلا بالكي.
فالأمة بحاجة لرجة كهربائية تزعزع عقولها وتحررها من الذاكرة الخسرانية, الانكسارية السلبية المحشوة بالمفردات الهزائمية الدونية الاحتقارية, النافذة المفعول في رؤوس الأجيال المتوثبة على بعضها, لتحقيق إرادة العابثين بمصيرها والمدمرين لوجودها.
فهل ستستفيق العقول العربية من طاعون كان, وقال فلان وكتب علان, وأفتى صاحب لحية عامرة وعمامة ملونة وكأنه العارف بخارطة الأزمان والأكوان, ويجهل أنه من بني الإنسان؟!!
تلك حقيقة العدوان, وجنون العرب الشنّان, وصولاتهم بأسلحة الآخرين على جذور الرحمة والإيمان!!
فطهّروا عقولكم يا عرب من الأوذان, واعترفوا ولو مرة واحدة بحقوق الإنسان!!
واقرأ أيضاً:
الروح الغائبة والوعي المهزوم!! / الارتهان البشري!! / القائد الجاهل والشعب العائل؟!! / إمّا وأو!!