الدول المنكمشة تعاني من الضعف والتضاؤل والخمول، ذلك أن الانكماش علامة ذبول وابتعاد عن نهر الحياة، فكل منكمش إلى أفول، وهذا قانون واضح وصريح، فلو تأملت أية نبتة ورأيت أنها متورقة ونضرة تعلم أنها منتعشة ومعطاء، وتساهم في رفد الحياة بطاقات حيوية وضرورية للبقاء، وإن رأيتها مكفهرة ذابلة منكمشة فإنك ستعرف بأنها لا تنفع ولن تعطي شيئا، ولابد أنها في طريقها إلى الجفاف والموات.
وهذا القانون ينطبق على سياسات الدول وسلوك الأمم والمجتمعات، فعندما تنكمش الدول وتنقبض في داخل حدودها فأنها تصاب بالذبول والهزال، ذلك أن الانكماش سيولد قدرات إتلافية ذات آليات تدميرية للدولة والأمة والمجتمع، وهذا ما يفعله الحصار المفروض على الدول، بينما الانكماش هو حصار تفرضه الدول على نفسها بمحض خيارها متوهمة بأنها ستربح أو تكون أقوى. ذلك أن القوة تتحقق بالتفاعل ولا تكون بالعزلة والانحسار والتقوقع، والتوهم بما يدور في أروقة الرؤى والتصورات والمعتقدات، وغيرها من المعتقلات التي ترهن البشرية نفسها فيها، فالماء الآسن يتعفن ويفقد طيبته وطعمه ونفعه وتتكاثر فيه جراثيم الويلات وآفات التداعيات الأليمة السقيمة، وكذلك الدول المتأسنة تتسبب بأوبئة تفاعلية تدميرية تقضي على كيانها ووجودها بأسره.
ومعضلة الدول العربية خصوصا والإقليمية عموما في المنطقة، أنها في دوامة الإنكماش وعدم القدرة على التفاعل الإيجابي، والدول العربية فقدت مقومات وجودها وقدراتها الحضارية بسبب الانكماش المُكلف، الذي أسقطها في سلال الغنائم العالمية، ولو أجادت التفاعل لعمّ الانتعاش والاقتدار والتقدم. ورأينا بعض الدول حتى القوية منها التي تسعى نحو الانكماش، وهذا يعني أنها قررت إضعاف نفسها والخروج من التيار الحيوي العارم الذي يصنع الحياة الأقوى والأغنى، وهذه الدول في مسعاها نحو الانكماش ستتسبب بانهيارات مدوية في أعمدة قوتها وأسس قدراتها المتنوعة، أي أنها قررت الانقضاض على وجودها وهي في غيبوبة وعدم إدراك لمآلات الانكماش، وهي تتوهم بأنها ستنتعش وتتمتع بما فيها وعندها بمعزل عن الآخرين من حولها في المحيط العالمي، ولهذا فأن المشاكل بدأت تدب فيها، والصراعات أخذت تنشب ما بين أبنائها، وهذا ينذر بانتكاسات خطيرة ومكلفة.
إن السلوك الصائب يتطلب عدم الانكماش السلوكي لكي يتحقق الانتعاش وتتواصل الأمم والشعوب، أما أن يكون السلوك متحققا في أبناء الوطن الواحد، فيعني الانتحار الوطني الفظيع الذي سيمحق المجتمع ويقدم الوطن هدية للطامعين به وبثرواته، وهذا ما يحصل في بعض المجتمعات المنحدرة نحو الوعيد.
فلابد من الانفتاح والتفاعل الإيجابي لكي تنتعش الحياة وتعطي ثمارها اليانعة اللذيذة الغناء.
واقرأ أيضاً:
الكتابات السلبية وآثارها النفسية!! / العرب واليابان!! / إصْباحٌ ومصْباحٌ!! / الجهل المقدس والمصير المُتعّس!!