قد يقول قائل أن في ذلك اقتراب خاطئ وغريب، لكن الواقع القائم يشير بوضوح إلى أن المجتمعات هي التي تصنع قادتها وحكوماتها وما فيها يظهر من حولها، وحالما تغنت بالديمقراطية وحرية اختيار المسؤولين اختارت الفاسدين والطائفيين والتابعين والمنفذين لأجندات الآخرين، واندفعت نحو بناء القوة العسكرية المناطقية والفئوية والتحزبية والعشائرية، فاختلطت الأمور واحتدمت المعارك والمواجهات ما بين أبناء الشعب الواحد، وتسببت بما يحصل في الواقع السقيم على خارطة الوجيع العربي المبين.
إن المجتمعات هي التي تقرر مصيرها مهما تكالبت عليها المخاطر، وهي صاحبة القيادة والريادة، فالذين يحكمون المجتمعات منهم لا من غيرهم، وهؤلاء يجدون العون من المجتمع فيما يقومون به ويقدمون عليه، فهم التابعون لأن المجتمع فيه نوازع تبعية، وهم الخونة لأن المجتمع فيه دوافع خيانية، وهم الفاسدون لأن المجتمع يستلطف الفساد ويمارسه، وهم الظالمون لأن المجتمع يختزن طاقات ظلم وقسوة، فهم مهما تنوّعوا وتعددوا وتبدلوا يمثلون إرادة المجتمع ويعكسون صورته النفسية والفكرية والسلوكية، فالمجتمع هو الذي يأتي بهؤلاء إلى سدة الحكم وهو الذي يساندهم ويطيعهم ويرفع رايات الولاء لهم، ولا يعارضهم بعد أن أسس لهم قوة قمعية تحميهم وتديم سلوكهم المناهض لمصالح الشعب والوطن، وهذا يعني أن المجتمع ضد الوطن ويعادي مصالحه، ولا يمكن الفصل بين هذا وذاك مهما توهمنا وبررنا وتمنطقنا بالحجج الواهية والبراهين الخاوية.
إن حكام أي مجتمع يعبرون عما في المجتمع من الكوامن والمطمورات والدوافع والنوازع التي يريدون التعبير عنها، فينوبون عنهم مَن يقوم بها فينافقون بإظهارهم عكس ما يقوم به الذين وضعوهم في السلطة، وفوضوهم بالظلم والفساد ونهب الثروات وبناء المعتقلات والقسوة على الناس، والجميع يتظلم ويتشكى ولا تجد عنده إلا كلمات الولاء والتودد إلى ذوي السلطة، والذين يمنحون العطايا والمكرمات وكأنها من ملكهم الخاص.
تلك صورة الوجيع الذي يعصف في أركان عالمٍ من الأحزان والدموع!!
واقرأ أيضاً:
أمريكا هي السبب والجميع أبرياء؟!! / الكسوف والكشوف!! / إرادة ما فينا!! / ريحٌ صَرْصَرْ !!