ليس ما تقدم حكما مُسبقا أو رميا بسوء، وإنما واقع مرير تعيشه الأجيال وما وجدت لها منه مخرجا، فوصلت بها الأحوال إلى ما هي عليه اليوم من السعي إلى الهروب والهُجران، للتخلص من محنة الموت في الأوطان المعبأة بالعدوان. والمشكلة أن المجتمعات تمر بسورات انفعالية ينتفي فيها العقل وتتسيد أمَارات السوء، ولكن وقتها معلوم ولا يدوم، كما هو دائم ودائب في المجتمع العربي، فالمجتمعات الأوربية وغيرها مرّت بفترات زمنية ذات نزعات انفعالية هوجاء، لكنها هدأت وعادت إلى صوابها وأبصرت طريقها، أما المجتمع العربي فإنه في دوامة مفرغة من الانفعالات التي محقت العقل وأبعدته عن الواقع والحياة، وجعلت الأجيال تتوارد إلى أجيج ونيران وتتمتع بسلوك الانحطاب، والغياب اللذيذ في كهوف الضلال والبهتان الخصيب.
هذه العلة المريرة أسهمت فيها قوى خارجية وفقا لمنطوق مصالحها ومشاريعها، وقوى إقليمية، والأهم من ذلك قوى داخلية عربية، قررت أن تكون كرات تركلها أقدام القوى الأخرى وتضعها في المرمى الذي تريد، فتحقق بواسطتها أهدافها، وتمرر مشاريعها، بخسائر قليلة جدا. فالعاطفة يؤججها العرب وخصوصا الإعلام الممول والأقلام التي تكتب بمداد مَن يدفع أكثر، ويرعاها الجهل وسياسات التخويف والترعيب العاصفة في المجتمع العربي، الذي يعيش حالات طوارئ منذ عدة قرون، وما رفعت عنه هذه الحالات وإنما تواصلت وتعاظمت، كما نشهده في العديد من الدول العربية التي تقف على أطراف أصابعها وهي على شفا حفرة من النار أو فيها.
وفي خضم المكتوب الانفعالي لا يمكن للمكتوب العقلي أن يجد له موضعا أو مَن ينتبه إليه ويدركه ويعمل بموجبه، فالطائفية هي القانون والوطنية أصبحت هذيانا وتخريفات على سطور، فلا بد من الكتابة بحبر الانفعال لكي ينتشر المقال ويساهم في صب الزيت على النيران، واتساع مساحة الحريق والتدمير والتهجير والثبور والخسران الأثيم.
وما دامت الأقلام تدوسها أقدام الكراسي وعجلات المآسي، فإن المجتمع العربي يتدحرج على سفوح منحدرات حادة، ستأخذه إلى إمبراطوريات أبي لهب وكل واحد من حوله حمّال حطب!!
عاشت العواطف والطوائف ورحم الله العرب، فكأنهم لا يبصرون كيف بأندلسٍ دقت أجراس عطب؟!!
واقرأ أيضاً:
النقمة والحكمة!! / أ فلا تعقلون؟!! / فأكله الذئب !! / الأقوياء أمام القوي يزأرون!! / أمريكا هي السبب والجميع أبرياء؟!! / الكسوف والكشوف!! / إرادة ما فينا!! / التعرية والتورية!! / معا وسويةً !! / طريق وطريق!!