هو السلوك الذي يكون العقل فيه مُستعبدا من قبل العواطف المتأججة في النفس البشرية , ويكون أعمى الدوافع والنوازع وشديد التوثب والاحتقان, مما يتسبب بتصارعات مهلكة ومدمرة. وما يميزنا يتلخص بضعف القدرة على إطلاق العواطف والمشاعر بإيجابية بنّاءة، فنظام تربيتنا بصورة عامة يساهم في الكبت ويعزز الحرمان والخوف ويؤكد الشعور بالذنب، وتلك علل اجتماعية خفية.
والطاقة أيا كان نوعها عندما تنكبت وتنضغط في أعماق البشر فإنها تنبعج، وبهذا الانبعاج تؤسس لتفاعلات سلوكية مختلفة تتحرر بواسطتها، وفي حقيقتها أنها تنحرف عن مسارها، وتتخذ مسارات أخرى في أغلب الأحيان تكون ضارة بالمجتمع, ومؤثرة سلبيا في مسيرة الحياة اللاحقة للفرد وتفاعلاته مع المحيط الاجتماعي.
هذا الكبت العنيف له تأثيرات نفسية وعقلية كبيرة، لأنه يسخّر ما في الإنسان من أجل تحقيق إرادة الطاقة المحبوسة، التي تحاول أن تعوض ما فقدته في وقتها المضغوط والمؤجل، وهذا يتسبب في العديد من التفاعلات المؤذية.
والكثير منا يتفاعل وفي أعماقه قدرات مكبوتة وأفكار مقيدة، وكأن فينا قيد ثقيل، أو أن الذات الفردية قد تحولت إلى سجن مغلق لا يطاق، وما أن تجد منفذا حتى تنفجر. وقد تلاحقت الانفجارات النفسية والفكرية والثقافية بقوة وتداخلت باضطراب وتشوش، وتم دعمها من قبل الآخرين لتأكيد أهدافهم وتقرير مصالحهم، وشهدنا الكثير من آثارها وإنجازاتها المشينة. ولا يتضح بأننا قد خرجنا تماما من هذا المعترك الذاتي النفسي، لأن حالة الكبت قد تفاقمت وسياط الشعور بالذنب قد تكالبت ودخلنا في دوامة المأساة الكبرى, التي كانت تهدف إلى صناعة ناعور الويلات والتفاعلات السيئة.
ووفقا لهذا التقدير والتطور السلبي الذي أصاب الذات الفردية والجمعية, فإن السعي الذي سيتأكد مرهون بتفاعلات معقدة ومبنية على أسس مؤثرة في جذب المجتمع إلى الوراء، وتلك مصيبة تنوعت مسمياتها وجرائمها، وفي هذا يظهر السلوك المنحرف للقوى التي ترعرعت في ظل الصراع المتنامي ما بين العناصر المتناقضة في الأعماق والمحيط المشوش المضطرب الصياغات والمنفلت العنان, بالرغم من الكلام عن القانون والدستور.
فالإنسان لم ينشأ على تربية قانونية ودستورية، ولا يمكنه أن يفهم هذه المعايير ويحدد سلوكه على ضوئها، فالقانون لم يكن هو الرادع للسلوك على جميع المستويات، ولا يوجد نظام حكم عندنا قد احترم الدستور والقانون وأعطاه قيمة ودور في الحياة، حتى انتهينا إلى أن الدستور والقانون عبارة عن فرد، والقانون منهج الجالس على الكرسي وهو الذي يكتبه ويمحوه متى يشاء.
وتلك عاهة تربوية سياسية واجتماعية، ولا يبدو أن أحدا سيقدّر القانون ويحترم الدستور ويقره مع ذات نفسه. فدولة دستورها عقيدته التشظي لا يمكنها أن تعيش بعافية، وإنما هذا الدستور قد وضع لتحقيق مصالح الآخرين وتأكيد الخراب وسحق القدرة على الصيرورة الواحدة، وتلك ديناميكية لمؤازرة السلوك المنفعل والتفاعل الضار للذات والموضوع.
ولا يمكن لأي مجتمع أن يخرج من هذه الدوامة السلوكية السالبة إلا بوجود أناس يفهمون في السياسة والتأريخ والاقتصاد، ويتنكرون للكرسي ويقرؤون حركة الحياة وتيار المجتمع بعيون قرن جديد, وهذا غير متوفر على المسرح السياسي الذي غرق الجميع فيه بالكرسي المبجل وبالصنم المفدى.
وفي هذا الخضم الانفعالي المحتدم، يكون من واجب الأقلام أن تتصدى لكل شيء منحرف مهما صغر, لكي تبني حالة الوعي العام وتؤسس لانطلاقة حضارية معاصرة. وبدون خوض معركة الكلمة والفكر وتحقيق العطاء الثقافي المتميز، لا يمكن الخروج من صندوق الكبت والحرمان والدمار والخراب. لأن الكلمة الصادقة تؤثر في العقول والنفوس وتقرب السلوك البشري من حسن النظام وضرورة الالتزام بالمعايير، وهذا يشجع أبناء المجتمع على وعي أهمية دور القانون في الحياة، وبهذا يكون الدستور الذي يسعون إلى صياغته معبرا عن صيرورة مثلى وضابط لكل سلوك، وبهذا يكون المجتمع ويتقدم بقوة وسيادة وأمان.
فهل من قلوبٍ طيبة ذات لسان سلام؟!!
واقرأ أيضاً:
الكراهية أسهل من الحب!! / حياتنا مرآة أفكارنا!! / التعارض والعداء!! / الاستعباد المستطير!!