الدنيا تمضي ومنذ الأزل على سكة الاستعباد، وفي معظم بقاعها تحرر المُستَعبَد من قبضة الاستعباد، ولا يزال الحال في العديد من مجتمعات الدنيا يمضي على ذات السكة ولكن بمسميات وآليات مختلفة، فالاستعباد تطورَ ومهاراته وأساليبه قد تنامت وتجددت. فالمجتمعات أصبحت مستعبدة بأنظمة الحكم، وبالكراسي والفئات والأحزاب والأشخاص والعوائل، وغيرها من القوى التي تستحوذ على مقدرات البلدان وأهلها. كما أن الاستعباد اتخذ منحى آخر بعد الحربين العالميتين، فصارت الأرض فيها القليل من الدول الحرة والعديد من الدول المُستعبدة، أو ما كانت تسمى بالمُستعمرة من قبل دول أخرى.
والاستعباد ظاهرة رافقت السلوك البشري وعلى مستويات متنوعة، وما يتحقق في الزمن المعاصر، أنه يتجسد بوضوح ووقاحة ما بين الدول، فهناك دول قوية ذات قدرات تدميرية هائلة هي الدول الحرة المقتدرة، ودول بلا حول ولا قوة إلا أن تدور في فلك القوى الكبرى أو الحرة المهيمنة على سلوكها، أي أنها دول مُستعبدة وتحت رحمة الدول المُتسيّدة أو السيدة.
ويبدو أن دول المنطقة العربية معظمها يقع في خانة الدول المُستعبدة بآليات الاستعباد ومسمياته المتنوعة، التي تتخذ أشكالا وتوصيفات ذات اتجاهات معاصرة، ومتواكبة مع قدرات الخداع والتضليل والتدجين والتخنيع، والتأهيل للوصول إلى حالة الاستلطاف والاستسلام والاستلذاذ بدور الخدمة المطلقة للسيد. وبسبب هذا الضغط الاستعبادي المتفاقم تحولت تلك المجتمعات إلى نسخ مصغرة وصيرورات متفككة للقيام بالدور الاستعبادي، فتفتت وتشتتت وتخندقت وتحولت إلى فئات وطوائف وأحزاب وقبائل وعشائر ومسميات متعادية لا تنتهي بل تتوالد، وغايتها الإمعان بالإتلاف الذاتي والموضوعي، وتدمير الوجود الوطني والإنساني الذي كان يجمعها ويؤلف بينها ويؤاخيها.
ومن هنا فإن المجتمعات الضعيفة لا يمكنها أن تدّعي السيادة والحرية والقدرة على الحياة المعاصرة، لأنها فقدت المؤهلات الكفيلة بمساعدتها على الإنطلاق الواثق في أروقة الحياة ودروب الدنيا، وما عليها إلا أن تدرك مصيرها وتعترف بواقعها، وتجتهد في ابتكار السلوكيات الكفيلة بتحقيق أهدافها الوطنية والإنسانية وهي تحت إرادة الطامعين فيها، والمتمكنين من القبض على عنقها وخنقها بالقوة التي يشاؤون.
ودولنا في جوهر ما تعانيه أنها في مأزق الاستعباد لكنها تنكره وتريد أن ترى غيره، ولهذا فهي تطارد سرابا، وما تمكنت من إنجاز ما يساهم في قوتها وسعادتها، وإنما هي تئن وفي نزيف دفاق شديد.
فهل ستدرك المجتمعات المستعبدة حقيقة وجودها وتشق طريقها بذكاء وحلم وحكمة، وقدرة على الخطو الواثق الآمن المتواصل نحو نور إرادتها وأشعة حريتها؟!!
واقرأ أيضاً:
حياتنا مرآة أفكارنا!! / التعارض والعداء!! / السلوك المنفعل!! / الإسلام يُعاصر ولا يُحاصر!!