التفنكر: مشتقة من فنكر (الكذب أو العجب)، يُراد بها الإقامة على الكذب والعَجَب، أي تكون مُعجبا بالآخر وتنسى ما فيك وعندك وما كنت عليه، فتقيم في سرابات الخداعات والأضاليل والأباطيل التي تستعبدك وتزري بأحوالك.
ونشير بها إلى أن الواقع العربي تهيمن عليه آليات الكذب والعَجب، وتغيب عنه قدرات النظر الذاتية والموضوعية، ولهذا دخل في مراجل إتلافية وأنفاق تدميرية ذات قدرات تصارعية وآليات إهلاكية متجددة ومتعددة.
وبما أن الكذب تحول إلى عقيدة ومذهب ومنهج ودستور وحزب ونظام حكم، وله قوة عسكرية وتجمعات بشرية تدين بما ينطقه بشر تحسبه العنوان والراية والقادر على كل شيء، وما عليها إلا أن تخنع وتخضع له وتنساق لأمره .
فإن الحياة ستنحرف وتتخذ دروبا وطرقات ذات عثرات ومطبات خطيرة، لا تجني منها غير الخراب والدمار والخسران المتواصل المتراكم المعطيات، والمتفاقم الانهيارات والتصارعات الفتاكة الصاخبة.
وقوة العجب بالآخر ذات تأثيرات سلبية على الذات المُتعجبة والمُنبهرة، لأنها ستفقد الكثير من قدرات الثقة بنفسها والشعور بالإيجابية، وتتحول إلى طاقة سلبية معادية لذاتها وما حولها، وبتنامي طاقات العَجب تزداد حالة الفتك والتهدم الشامل لما يشير إليها، لأن المُتعجب سيتماهى مع المُعجب به ويتنازل عما يشير إليه ويحسب أنه سيترجم إرادته بالذوبان في ما أُعجب به.
وعندما يجتمع الكذب والعجب في وعاءٍ واحد فإن الخليط سيؤدي إلى تفاعلات متخاصمة وتداعيات متلاطمة وتدحرجات على سفوح الويلات المتعاظمة. ومن الواضح أن قانون الكذب يكون فاعلا في الواقع الجاهل المتأخر المزدحم بالمجتمعات القطيعية، التي تصدق ما تسمع وتتعجب مما ترى وتمضي في خطواتها نحو تنمية أوهامها وتعميق قدرات صيرورتها المتورطة بالخيبات والانكسارات الوخيمة.
ويبدو أن الطبع البشري ميّال لموالات الأكاذيب واتباع الكذابين، والتصديق بما يطلقونه من تصورات فنتازية ترضي الغرائز المطمورة في الأعماق المتأسنة، وهذه القوة الكامنة في البشر يتم تسخيرها للنيل من البشر نفسه، وتحويله إلى بضاعة وآلة لتحقيق المصالح وتمرير المشاريع والخطط والبرامج الكفيلة بتدمير ما هو جامع ومانع.
يساهم الإعلام بقدراته الهائلة المعاصرة في ماكنة الأكاذيب والاستحواذ على مشاعر وعواطف الناس، وتسخيرها لغايات مغرضة واتجاهات مناهضة لمصالحها، وهي تحققها وكأنها منومة أو تحت جرعات تخديرية فائقة التأثير.
ومع أن القوى والفئات والأحزاب تدّعي دينيتها وإيمانيتها، لكنها تتعبد في محراب الأكاذيب وتمضي مبهورة بالآخر، فتخنع له وتصلي في حضرته وتحسبه ربها الكريم، فتخدع الناس وتتمتع بأنانيتها وذلها وقصور نظرها المهين.
وتلك محنة شعوب ومجتمعات مع الكراسي التي تمتص دماء وجودها وتصادر ثرواتها!!
واقرأ أيضاً:
الإسلام يُعاصر ولا يُحاصر!! / لا أديان بلا مذاهب ومشارب؟!! / التأريخ ما بين عالمين!! / المنشغلون بسعادتهم وتعاستهم!!