القرن الجديد هو قرن تدحرج القوى وتصادمها الفظيع، فقد تنامت العديد من القوى في القرن العشرين وبعضها غابت، وكانت أطولها عمرا قوة الاتحاد السوفياتي التي استمرت لسبعة عقود. وقد أثبت لنا العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أن أية قوة أرضية لا يمكنها أن تمتلك عمرا أكثر من سبعة عقود، بل أن جميعها ستكون مأسورة ببضعة عقود وحسب.
وذلك لأن عوامل الزمن المعاصر تختلف تماما عن سابق الأزمان، حيث حققت الاتصالات ثورة تفاعلية غير مسبوقة، مما أدى إلى تحقيق تغيرات متسارعة وتفاعلات متواكبة، وتصاعدات فائقة تصل ذروتها بسرعة غير معهودة. ومعنى ذلك أن القرن الحالي سيشهد تصاعد قوى وانفجارها كأنها البالونات المحلقة في الفضاء، وهكذا فنحن نرى العديد من التصاعدات والتفاعلات الناهضة الساعية للتعبير عن دورها وتأثيرها، لكنها تحمل أسباب وقدرات فنائها معها، ولهذا فإن القرن الحالي سيعيش اضطرابات متلاحقة وغياب قوى عديدة وظهور أخرى على مسرح الأحداث.
وسيتم فيه ابتلاع أوطان وتذويبها وسيادة مجتمعات وتمكنها، وسيكون ابتلاع الشعوب أمرا عاديا، لأن الوجود البشري بحاجة إلى إعادة صناعة ذاته وموضوعه، ويكون ذلك بافتراس مجتمعات أخرى وهضمها وتحرير طاقاتها. وهذا ما يحصل في بعض البلدان، حيث يتم هضمها من قبل القوى المفترسة والتمتع بطاقاتها من أجل المحافظة على القوة والاقتدار، وبهذا ترى العديد من القوى الشرسة التي تأكلها بقسوة وعنفوان ولا تأبه بأبنائها، لأنهم في حساباتها الافتراسية مصادر طاقات تحتاجها ولا بد من افتراسهم للحصول عليها.
والافتراس المعاصر يمتلك مهارات وقدرات وأساليب غير مطروقة، ويرفع شعارات مخادعة تضليلية لكي يحصل على ما يريد. ومن أهم أساليبه مزج الديمقراطية بالدين. ولهذا نراهما فاعلان ومؤثران، فبواسطة الديمقراطية والدين يمكن افتراس الشعوب وتحرير طاقاتها وامتلاكها، وامتهانها ومصادرة حرياتها وسلب ثرواتها وتقرير مصيرها.
ووفقا لهذه الأساليب الفتاكة، فأن الدين والديمقراطية سيكون لهما الدور الأساسي في مواصلة الافتراس، وهذا ينطبق على أي مجتمع موضوع على قائمة الفرائس المنتظرة ووفقا للجدول الزمني المضبوط. ويبدو أن منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الأكثر تأهيلا لهذا التفاعل التدميري والخراب الحضاري المطلوب، وفي هذا جوهر مأساة دامية لا تنقطع ولن يتوقف أوّارها.
فهل ستكون منطقة الشرق الأوسط قوة متدحرجة مع القِوى، أم أنها ستكون سوحا لتدحرج القوى الأخرى فوقها؟!!
واقرأ أيضاً:
إرادة الخالق وإرادة الخلق!! / البطبطية!! / نسمع ولا نصغي!!