العلاقة ما بين المخلوقات والحياة معقدة وذات مشارب وغايات وتصورات ومنحدرات وتداخلات متشابكة لحد الغثيان والضلال والبهتان، وقد حاولت الشرائع والتقاليد والأعراف والقوانين والأديان أن تنظمها وتمنحها آليات الانسياب السلس، لكنها وبلا استثناء باءت بدرجات متفاوتة من الخسران. وفي واقع السلوك الذي يشمل جميع الأحياء أنها بمسعاها تحرص على الحياة وتجاهد من أجل البقاء، فكل مخلوق له آليات بقاء تساهم في ديمومة وجوده ورعاية مصيره، والمخلوقات بأسرها تراعي مصالح نوعها وتداري قدراتها وتتواكب مع مستجدات زمانها ومكانها، ولا تفتك بنوعها إلا لضرورات بقائية وأسباب موضوعية.
ويشذ عن هذا البشر الذي يتحفز بأنانيته وبقدرات القِوى التي تتفاعل في دنياه وتستخدمه لما تريد وترغب، ولا يعنيها مصيره وما سيحل به بسبب نوازعها ونواياها المتأججة القادرة على الإعماء والإغواء والتضليل والإلهاء. والسلوك البشري لا يمكن إخضاعه لقوانين ثابتة بسهولة وإحكام، لأن الطاقات التي تتحكم بما يبدر منه لا تعد ولا تحصى وأنها في تنامي وازدياد، حتى لتطغى وتسود وفقا لظروف الزمان والمكان، وتمضي في سلسلة التداخلات المريرة والنتائج العسيرة.
وبسبب الدماغ البشري وقشرته السميكة فإن علاقة البشر بالحياة ذات آليات متغيرة وتكاد تخلو من التقدير والاستنتاج، وإنما هي حالات انفجارية وتطلعات فورية تساهم في صياغة الأحوال المتشابكة الساعية للتعقيد والتقييد. ولا يمكن فهم العديد من السلوكيات الفردية والجمعية لأنها ذات منحنيات ومنحدرات وصيرورات تفاعلية معقدة ومستترة تحت أغطية كثيفة وأقنعة متنوعة، وأحيانا يبدو الحال وكأنك أمام رأس بصل كبير الحجم وعليك أن تقشّره بمهارة وحذر لكي تصل إلى قلبه ومنبع فحواه.
وفي جميع الأحوال فإن العلاقة ما بين المخلوق والحياة هي التي تتحكم بمعطيات السلوك، وترسم خارطته واتجاهاته المتفاعلة مع الذات وما حولها. ومن صعب تحديد منابع النوازع والرغبات ولماذا يسعى هذا المخلوق بهذا الاتجاه دون غيره، فهل هي سلطة الحياة وإرادتها الدافعة نحو محطات لا ندركها، أم أنها الطاقة الكامنة في المخلوق والمتحقق فيه حال ابتداء تخليقه وتناميه وولادته؟
إنها لتساؤلات صعبة وتحديات كبيرة لا يزال البشر في منأى عن إدراك حقائقها والأجوبة الصائبة عليها، لكن دفق المسيرة الخلقية يتواكب والموجودات تتدافع، والحياة ماضية ومتألقة بكل ما فيها وما عليها وما تريده ولا تريده!!
واقرأ أيضاً:
هل ما كان يكون؟!! / التكريه بالعرب!! / حيتان كبيرة وأسماك صغيرة!! / الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا!!