السلوك الذي يتغافله العرب أو يتجاهلونه ويغمضون العيون ويعطلون البصائر أمامه، هو أن القوى الكبرى ومنذ الأزل لا تريد حلا للمشاكل من حولها وإنما تجتهد بالاستثمار فيها لصالحها، فحل المشاكل يضعفها وتطوير المشاكل وتعقيدها يقويها ويمدها بقدرات الهيمنة والسيطرة. ولهذا فإن اعتماد العرب على القوى الكبرى لحل مشاكلهم يصبح نوعا من التعبير الجاهل عن السياسة، ولهذا فإن العرب يتفوقون على غيرهم بالأمية السياسية. فلو نظرنا إلى أية مشكلة عربية منذ قضية فلسطين وحتى آخرها، وتأملنا ما قامت به القوى الكبرى وإلى أين وصلت الأمور، لتبين لنا أن جميع المشاكل قد تعقدت وتطورت وتعاظمت وتحقق فيها استثمار كبير أدى إلى هدر الثروات العربية وتدمير البلاد والفتك بالعباد.
وآخرها المشكلة القطرية الخليجية التي يجري العمل على استثمارها من جميع القوى العالمية والإقليمية وتحقيق أفحش الأرباح منها، ولهذا تجد القوى تحتشد وتتسابق تحت عنوان الحل وما هو إلا الاستثمار في المشكلة. وما جرى من حالات مؤخرا، فإن الأنظار تتجه والعزائم تتوقد لتحقيق الاستثمار الافتراسي فيها، ولا نظنها ستصل إلى حل وإنما سترسو في موانئ الويلات والتداعيات، والهدف واضح والخطط معدة والمنفذون على أهبة الاستعداد. فالعرب بثرواتهم يفتكون بذاتهم وبموضوعهم، والتمويلات جاهزة والأسلحة تنتظر التوزيع وشركاتها يسيل لعاب شرهها لمزيد من الصفقات التي ستفتح أسواقا شديدة الطلب. والعجيب في الأمر أن العرب لا يتعلمون من التجارب المتكررة، ولا يدركون ما يقومون به ويساهمون فيه من صناعات المآسي والويلات الخانقة المهلكة للحاضر والمستقبل.
وتأتي العمالة والخيانة على رأس العوامل المروعة العابثة بالوجود العربي والمحققة لإرادة الطامع بالعرب، والذي يأكلهم على جمرات التناحرات والتصارعات التي يُسكب عليها بنزين الهلاك. ولهذا فإن المشاكل القائمة في الواقع العربي لن تجد حلا أبدا، ما دام العرب يعتمدون على الآخرين، وعليهم أن يتعلموا كيف يحلون مشاكلهم بينهم ولا يتوسلون بالأقوياء ويتوهمون بأنهم سيحلون لهم مشاكلهم.
إنه قانون الغاب السياسي، وخلاصته أن القوي يتربص بالقِوى من حوله لافتراسها والانقضاض على وجودها، وأهم فرصة يمكن منحها للمفترسين أن تطلب منهم حل مشكلتك، لأنك ستدعوهم لنشب أنيابهم وغرز مخالبهم في صدرك!!
فهل سيتعلم العرب مهارات حل المشكلة؟!!
واقرأ أيضاً:
حيتان كبيرة وأسماك صغيرة!! / الحياة تحكمنا!! / الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا!! / الأقوياء يأخذون ويأخذون!!