ما يميز مدننا، بل ومن سماتها البارزة أنها مدن النفايات، عدا بعض مدن الخليج التي تتمتع بدرجة معقولة من النظافة، فأينما تذهب في بلداننا ترى النفايات منتشرة ومتناثرة في الشوارع وعلى الأرضفة والحارات وأمام البيوت والمطاعم والمحلات، وفي وسائط النقل العامة، وفي كل مكان يحصل فيه اجتماع بشري. نفايات متراكمة وعجز عن العمل الجاد النظيف المساهم ببناء الحياة السعيدة، وهذه الظاهرة متوارثة ولا تفكر بها الحكومات ولا يأبه لها الناس، وإنما اعتادوا عليها واستلطفوها، برغم ما تتسبب به من أضرار بيئية وصحية وما ترسمه من قبائح ومنفرات ومنغصات نفسية وانفعالية.
ولا يمكن مقارنة العديد من عواصمنا بمدينة يابانية صغيرة، حيث النظافة والجمال والعناية الفائقة بالزهور والشجر، والتعامل الراقي الحنون مع الأطيار والحيوانات الأخرى، التي تضفي جمالا على المكان الذي يعيش فيه البشر. فكم تتمتع بالتجوال في المدينة اليابانية بحاراتها وأسواقها، وكم تمنحك من روح الجمال والبهاء والنظافة السائدة التي يساهم بإدامتها المواطن، فالنظافة مسؤولية فردية وجماعية، نفتقدها في مجتمعاتنا التي فقدت الحس بالنظافة والجمال. وحتى في الصين، عندما تتجول في مدنها الصغيرة وقراها، تحس بوجود النظافة وبنظام لتصريف النفايات والفضلات بأساليب تتناسب وقدرات القرية والمدينة، لكنها جميعها تشترك بالمحافظة على النظافة والجمال للشارع والمحلة والمكان الذي يجتمع فيه البشر.هذه مجتمعات ذات كثافة سكانية عالية لكنها تعتني بمكانها وتحافظ على بيئتها، وتهتم بإظهار النظافة والجمال والعناية بالزرع وزيادة مساحة اللون الأخضر في مكانها الذي تعيش وتعمل فيه.
وفي واقع الحياة أن السلوك البشري يتأثر بالبيئة التي يكون فيها، فإذا تراكمت النفايات وانعدمت النظافة، فإن الأفكار التي تتوارد إلى العقول ستكون كالنفايات المتناثرة من حولها، أفكارا وسخة لأن النظافة غير متوفرة، ولا يمكنها أن تساهم باستحضار أفكار نظيفة، أي أن نوعية الأفكار وطبيعتها تتناسب مع بيئتها، فالبيئة النظيفة تستدعي أفكارا نظيفة وجيدة، والبيئة الوسخة تستحضر أفكارا ذات وساخة عالية وسلبية ضارة مثلما تضر النفايات والأوساخ بمن حولها وفيها.
ترى لماذا لا نمتلك إحساسا قويا بضرورة النظافة والجمال، فهل أن الوساخة من الإيمان؟!!
تساؤل مشروع في زمن تتأدين فيه الأشياء، وتعبر عن أقبح السلوكيات والتفاعلات الخالية من مسحة جمال وقليل نظافة، والجميع يدّعي أنه يصلي خمسة أوقات في بيئة وسخة تتراكم فيها النفايات والقاذورات، وتلك حالة متناقضة تنسف الدين بالدين، وتصفع الإنسان بالإنسان، وتستدعي ما هو وسخ للحضور في عالم يزداد اتساخا وتتراكم فيه نفايات العصور.
فهل من وعي حضاري وإدراك لمعنى النظافة والجمال؟!!
واقرأ أيضاً:
الدين والدنيا!! / القبضوية!! / بودقة الانصهار الوطني!! / العرب والعرب!!
التعليق: أستاذنا الفاضل أشكرك على هذه المدونة الخفيفة وأتفق تماما معك لكنني إحقاقا للحق لابد أن أستثني مدينة عمَّان عاصمة الأردن الشقيق فقد زرتها أربع مرات أو ثلاث .. ومنذ المرة الأولى أبديت إعجابي واستغرابي من نظافة المدينة وسألت فعرفت أنها أخذت جائزة دولية على النظافة والتنسيق .... وحقيقة في المرات التالية لم أجد إلا نظافة .... وصدقت حين ربطت سلوك الإنسان بنظافة بيئته فقد وضعني الله في موقف أكد لي رقي أخلاق الأردنيين وصفته في مدونة سابقة لي ها هي : الأردن مؤتمر الأطباء النفسانيين العرب الدولي(14)1 وكان صادما لي موقف اثنين تصادمت سيارتيهما في الطريق وكنت شاهدا مشدوها لما رأيت من خلق رفيع غبطتهم عليه وتمنيت لأهل مصر ربعه فأكون من السعداء !
شكرا لك يا د. صادق أدامك الله زخرا لمجانين ولمن هم بالعربية لما يزالوا ناطقين !