الدين من ضرورات الحياة منذ أن بدأت أول الخطوات الآدمية فوق التراب, وقد بحث عنه جلجامش في ملحمته, وأول ما شيده البشر هي المعابد, وأول ما أدركه أن يكون هناك إله, وبعد مسيرة طويلة تعددت الأديان وتطورت واتخذت حالات معروفة ولا تزال فاعلة في الحياة, وكل بما لديه فرحون ويحسبون أن دينهم هو الدين المبين اليقين. ولا فرق بين مجتمعات الدنيا بأسرها بخصوص الدين, فلكل منها دينه وربه ومعابده وطقوسه وآلياته التعبدية وما يتصل بها من سلوكيات وتفاعلات, لكنها تقدمت وتطورت وتواصلت بعقولها ووضعت للدين وقته وحالته, وللحياة قيمتها وضروراتها ومتطلباتها, التي تستدعي منها النشاط والإبداع والتقدم المتوثب للأمام.
بينما المجتمعات العربية المتأخرة اندحرت في ديناها ومضت تحفر حفرة تزداد عمقا وتنطمر فيها, فلا ترى ولا تسمع ولا تستطيع النظر والكلام إلا بلغة دينية غابرة, وتتفاعل بأساليب خائبة أدت بها إلى انهيارات وانطمارات انقراضية متواكبة لا تعرف الخروج منها, وهي تتمادى في الحفر والاندثار المميت في قيعان الأجداث. ولهذا تسببت باستحضار الويلات والتداعيات والعدوان الشرس عليها, لأنها تعمه في حفرٍ والدنيا تتحرك متسارعة في اتجاهات متنوعة وتسلقات فائقة متجددة, والعرب بسبب تمحنهم في حفرة الدين يتقهقرون ويتكسرون وينهزمون وينتكسون, ويحيطهم اليأس والقنوط والنحوس النكراء التي يصنعونها بأيديهم, فما أجودهم في ابتكار ما يؤذيهم ويقيّدهم ويمنع خطواتهم في سوح الدنيا وطرق الحياة, لأن العمه الديني يملي عليهم التسابق نحو الموت.
ولابد للعرب الخروج من حفرة الدين والعمل الجاد على تحقيق التوازن المعاصر ما بين الدين والدنيا, وعلى الدنيا أن تأخذ مساحتها التي تستحقها في نشاطاتهم ووعيهم, وتواصلاتهم الحيوية الكفيلة باسترداد رشدهم واستعادة قوتهم, وقدرتهم على الحياة الحرة الكريمة العزيزة القادرة على التسابق مع الآخرين من أبناء الأرض أجمعين. على العرب أن يعيدوا النظر بما يفعلونه بدينهم ودنياهم, فهم لا يأبهون للدنيا ويمعنون بالانزلاق نحو الموت ويحسبون في ذلك حياتهم, وأن الدنيا مماتهم, ولا هم بها طامعون أو آنسون, وإنما هي منكرة ومهملة ومذمومة, وهذا موقف سلبي وإنحرافي في التعامل مع واقع الحياة ورسالة البشر فيها.
ولهذا فإن الموازنة الواعية والتفاعل الجاد المجتهد مع الدنيا من متطلبات الوجود الإنساني الصحيح الكفيل بإعزاز الحياة ورفعة الدين. أما الانغماس في أطمار الدين وفقا للهوى والتأويل والتصور والتبعية والخنوع, فإن في ذلك محض إرادة انتهاء وفناء.
فهل أن العرب يريدون الحياة أم هدفهم الموت الذي فيه يبحثون عن الحياة؟!!
واقرأ أيضاً:
العمامة والعقال في قتال!! / هل أبقيتم قضية يا أصحاب القضية؟!! / الدول النفطية ومصير الإفلاس!! / الذلة شعارنا!! / السبب في العرب!! /