عام 1979 هو العام الذي غيّر الواقع العربي وقلبه رأسا على عقب, وأطاح بالأهداف والطموحات العربية, وحول الوجود العربي إلى شذر مذر, وقد يقول قائل أن ما جرى فيه صدفة, لكن القول بذلك يكشف نوعا من السذاجة والجهل المروع, فمنذ اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور كل ما يحصل في المنطقة يتحقق بحسبان دقيق ويمضي وفقا لخطط تحقيق المشروع المرسوم والموعود. ويبدو أن حصيلة النتائج والدراسات التي تراكمت منذ (16\5\1916) وحتى عام 1979 قد أفضت إلى أن تحصل المتغيرات التي أودت بالوجود العربي وطمست المشاريع الوطنية والعربية, التي كانت تسعى لضم شمل العرب وتوحيد صفوفهم.
وهذا ملخص لما جرى في ذلك العام الحاسم الذي قرر مسيرة العقود من بعده, ولا يزال فاعل التأثير والتدمير الذي بلغ ذروته في عدد من الدول العربية.
(16\1\1979)- هروب الشاه من إيران
(20\1\1979)- مليون إيراني يحتشد لاستقبال الخميني في طهران
(26\3\1979)- توقيع إتفاقية بين بيغن والسادات
(4\2\1979)- بيغن يزور مصر
(4\4\1979)-إعدام علي بوتو رئيس وزراء الباكستان
(11\4\1979)- إيدي أمين يهرب من أوغندا إلى ليبيا
(4\5\1979)- مارغريت تاتشنر أول رئيسة وزراء لبريطانيا
(18\6\1979)- ليونيد بريجينيف وكارتر يوقعان اتفاقية الحد من الأسلحة النووية
(16\7\1979)- تغيير نظام الحكم في العراق
(18\8\1979)- الخميني يدعو لحرب مقدسة ضد الأكراد
(17\10\1979)- الأم تريسا تحصل على نوبل للسلام
(18\10\1979)- الخميني يوقف الإعدامات الجماعية
(24\12\1979)- الاتحاد السوفياتي يغزو أفغانستان وبعد حرب جهادية دينية ضده خرج منها في (15\2\1989)
عندما نتأمل هذه الأحداث والتطورات, لا يمكننا أن نجزم بأنها حصلت من غير تخطيط وتدبير وفقا لبرامج موضوعة مسبقا, وعارفة بما سيتمخض عنه كل حدث وما ستؤول إليه الأمور وإلى أي اتجاه تمضي وتهدف. فغزو الاتحاد السوفياتي لم يكن خافيا عن دوائر المخابرات العالمية المناهضة له, وبدأ الإعداد المسبق للمواجهة, باستعمال الدين كوسيلة لتحشيد القوى والقدرات الكفيلة بهزيمته وخسارته, وكانت تلك الخطة ناجحة ومعروفة النتائج والتداعيات, وأنها تستحق التنفيذ, فالقضاء على الاتحاد السوفياتي دون حرب باهظة التكاليف يُعد أعظم إنجاز تأريخي في القرن العشرين, إذ لولا تلك الهزيمة لدخلت الدنيا في حرب عالمية هائلة قبل نهاية ذلك القرن, فتم الاستعاضة عنها بحروب فجائعية في المنطقة العربية.
وربما سيكشف لنا التأريخ في المستقبل العديد من الوثائق التي ستؤكد بأن الذي جرى في إيران والعراق لم يكن أمرا داخليا بحتا, وإنما مرتبا من قبل قوى خارجية معروفة تسعى لبناء الأرضية الجديدة لانطلاق عدو جديد بعد القضاء على الشيوعية أو هزيمتها وتحجيمها. فمثلما كشفت الثورة الروسية المدعومة من ألمانيا في حينها, وثائق سايكس بيكو, ستكشف في المستقبل أحداث قادمة معاهدات واتفاقات ونصوص تشير إلى ما جرى في المنطقة منذ ذلك العام المشؤوم وحتى اليوم وما بعده.
وهذا ليس من فقه المؤامرة وإنما التفاعلات الدولية وتصارع القوى يجري على هذا المنوال منذ الأزل وسيبقى كذلك أبدا. واللوم لا يقع على القوى التي تعمل لإنجاز مصالحها وتنفيذ مشاريعها, ولكن على المجتمعات التي تغفل مصالحها وتبلع الطُعومات وتسقط في شباك الصائدين لوجودها, والقابضين بعد ذلك على مصيرها. ويبدو أن مجتمعات المنطقة من أكثر مجتمعات الدنيا تأهلا للخيانة والتبعية والرضوخ لإرادة الفاعل بها, والعمل الجاد لتحقيق مصالحه, ويبدو أن الدين طاعونها والصنارة التي يمكن صيدها بها, والوقيعة التي يتحقق إسقاط الأجيال بقيعانها, ودفنهم بترابها.
ولم يكن موضوع الدين مباغة أو صدفة, وإنما هو منهج جدير بالعمل فيه للهيمنة على أصحابه, وهذا ناجم عن دراسات مستفيضة لسلوك الأجيال وإقرانه بالدين, الذي أوجد آليات للتبعية والخنوع والاستعباد واستلطاف القهر والمظالم, مادام الحاكم يحكم بأمر الدين أو بتفويض من الرب. كما أن مجتمعات المنطقة يمكن قتلها واستعبادها بما تريد, وهذا أوجب التفاعل بالآليات التي انطلقت في عام 1979, والتي وضعت البنى التحتية لتداعيات مريرة أصابت العرب خصوصا والمسلمين عموما بمقتل شديد.
وبغياب القادة الحذقة والحكماء الذين يبصرون ويتأملون ويقرؤون خارطة الأحداث بعمق ويتشيرون ويتفكرون ويتعقلون ويؤثرون, انزلقت المنطقة إلى ويلات تجر إلى ويلات, ولا ننسى في ذات العام تم التخلص من خيرة المفكرين والمنظرين العراقيين الذين يعارضون الحرب مع إيران ويرون التداعيات التي ستتمخض عنها, وقد نشروا تصوراتهم في افتتاحيات الجريدة الرسمية في حينها, وأثبتت الأيام أن رؤاهم صائبة وتنبؤاتهم خبيرة وثاقبة, لكنهم تدثروا بالثرى بذريعة المؤامرة وما يتصل بها من ذرائع ومسرحيات لتأكيد السلطة الفردية اللازمة لتنفيذ المشاريع المقررة.
كما تحقق ذات الفعل في إيران بتفجير البرلمان الذي أدى لقتل الذين يدركون ويفكرون بعلمية وموضوعية ولا ينفذون الخطط المرسومة. وهكذا فإن متواليات الأحداث والتطورات, وإعداد المؤهلين لتنفيذها من جميع الأطراف دفع بالواقع إلى حمامات الدم والوعيد, وصار القتل عنوانا عاديا, والخراب والدمار شائعا, ومصادرة حقوق الإنسان عملا هينا, والمنظمات الدولية والأمم المتحدة في صمت مريب, وهي التي تعرف وتطلع على كل شيء, فما سمعنا تصريحا يشير إلى انتهاك حقوق الإنسان في العراق وإيران, وإنما هي المحرقة التي يتم تأجيجها بتوريد الأسلحة الفتاكة للطرفين, بل إن الحرب كانت تدار من قبل القوى الكبرى ووفقا لمراقبات دقيقة عبر الأقمار الصناعية التي تعطي الأوامر لهما.
وستبقى نواعير الدم والدموع وعواصف الخراب الهائل ماضية في المنطقة لأن الذي حصل أنجز أهدافا لم تكن في الحسبان, وتم الاستثمار بكل شيء حتى تحول البشر إلى طاقات تدميرية موقوتة لذاته وموضوعه, ولا يُعرف إذا أن بعض القوى أدركت بأن ما قامت به انقلب ضدها, فأخذت تسعى لإعادة الأمور إلى نصابها قبل عام 1979, ربما هذا هو المشروع الجديد, ولكن لننتظر ونرى ما ستأتي به الأيام, فهي حبلى بالمفاجآت التي ربما ستوازي ما جرى في عام 1979, وإلا كيف تقرؤون الأحداث والتطورات التي حصلت والموضّح أهمها في بداية المقال؟!!
وما يُشاع في الإعلام ما هو إلا سيناريوهات وأقاويل محشوة بالأضاليل والخداعات, الكفيلة بتمرير ما يراد له أن يتحقق ويتأكد في مجتمعات تأججت عواطفها وتفاقمت انفعالاتها واستلطفت حياة الهشيم!!
فهل أن الإرادات مسلوبة والشعوب مغلوبة والمفترِسات مكلوبة؟!!
واقرأ أيضاً:
العمامة والعقال في قتال!! / هل أبقيتم قضية يا أصحاب القضية؟!! / الدول النفطية ومصير الإفلاس!! / الذلة شعارنا!! / السبب في العرب!! / اخرجوا من حفرة الدين إلى فضاءات الدين والدنيا!!