فكرة الديمقراطية لا تعني الانفلاتية، لكنها كذلك في مجتمعات تجهلها، وتتصورها كما تتوهمها، فتمضي في مسالك تدميرية تحسبها ديمقراطية. ومنها أن الكل في ليلة وضحاها أصبحوا كُتّابا، وراحو يسطرون ما يحلو لهم من الكلام، وفقا لهذيانات حرية التعبير عن الرأي، وما يعبرون عنه لا يقترب من مفهوم الرأي وإنما هو ترجمة لشر مفلوت، وبرهنة على الركاكة والقحط المَعجمي والأسلوب القبيح.
فالجميع يكتبون، والقراء غائبون، والذي يكتب لا يقرأ!!
بينما في واقع الكتابة أن عليك أن تكون قارئا مدمنا لكي تكتب، وإن لم تقرأ فلا يمكنك أن تكتب بقدرات ذات قيمة معرفية، فالكتابة مسؤولية أخلاقية وفكرية وثقافية تتطلب بحثا واجتهادا وأمانا، وإخلاصا للكلمة وحرصا على اللغة، وروحا ذات نزاهة وإيمانٍ بالحقيقة وفقا لمعطيات وبراهين ودلائل رصينة وصادقة. ولا يمكن لمن يكتب أن يكون مخمورا بالانفعالية والعاطفية والتطرفية والطائفية والفئوية، والأفكار والمشاعر السلبية الداعية للكراهية والبغضاء والعدوان، والحث على الإجهاز على الإنسان، ولهذا فإن مثل هذه التطلعات الخبيثة ممنوعة في مجتمعات الدنيا ويُحاسب عليها القانون.
فالكتابة في مجتمعات ذات قيم وأخلاق ومفاهيم رحمانية وإنسانية، تتجسد في كيفيات التعبير الطيب وانتقاء المفردة الجميلة المؤلفة للقلوب والأرواح، لكي تتهذب النفوس وترتقي التفاعلات وتتآزر الجهود وتنسبك القدرات في سبل الحياة الحرة الكريمة. وما يجري في واقعنا الإعلامي يشير إلى انفلاتية عدوانية وانسكابية بغضاوية تميل لتثمير الأحقاد والدعوة للكراهية والتمزق والانقراض، وكأنها تجري على سياق ما مطلوب إثباته، وهو أن تضيع أمة العرب وتندحس في الأجداث.
فهل من احترام للكلمة والتورع في الكتابة، لأن الكلمة الخبيثة طاعون الرؤوس والنفوس!!
واقرأ أيضاً:
العمامة والعقال في قتال!! / هل أبقيتم قضية يا أصحاب القضية؟!! / الدول النفطية ومصير الإفلاس!! / تعددت الآراء والإعلام قائد!!