مجتمعات الدنيا بلا رأي حقيقي وموقف حر، وإنما هي قطيع يتبع وسائل الإعلام التي تقود وتبرمج الأذهان، وتصنّع الآراء والمواقف وفقا لإرادة المصالح والنوايا والغايات. فالبشر اليوم يغطس في محيطات التواصل والدفق المعلوماتي والإعلام الموجه المعد بأساليب نفسية وسلوكية، ذات قدرات فائقة على استعباد الآخرين وامتلاكهم وتسخيرهم لمشاريعها وأهدافها.
والبشر في كافة مجتمعات الدنيا ما عاد يمتلك إرادته وتقرير مصيره، لأنه تحول إلى بضاعة وحالة يمكن تشكيلها وتصنيعها بقدرات وآليات الضخ الإعلامي المتنوع النوازع والتطلعات، وبوسائل انفعالية لتأجيج العواطف وشحن النفوس. ولهذا تجد الناس مخمورة بوسائل الإعلام ويطغى على أحاديثها وحواراتها ما تبثه هذه القناة أو ما قاله فلان وكتبه آخر، وفي العالم الديمقراطي القوي الجديد صار الأسلوب الإعلامي من أهم وسائل القيادة والإشغال وتشتيت الأنظار وإلهاء الناس وتمرير مشاريع وبرامج خطيرة.
وترى العديد من القادة وخصوصا ذوي الخبرة الإعلامية، يمارسون نشاطاتهم وينشرون آراءهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة، فيشغلون الناس بما لا يريدون، ويحققون ما يريدون وكأنهم يعملون من وراء حجاب.
ووفقا لهيمنة واستبداد الإعلام بأنواعه، فإن الرأي الحر ما عاد له وجود إلا فيما قل وندر، والقول بأن البشر قادر على أن يختار بحرية أضحى نوعا من الهذيان، فكل موقف وقول يتأثر بما يدور في الأوساط الإعلامية، وهذا يعني ببساطة ووضوح، أن الحديث عن الديمقراطية لا معنى له ولا قيمة، إذ يمكن خداع الملايين من البشر وتمرير ما يُراد من خلالهم بعد أن يتم إقناعهم بأن الحق باطل والباطل حق، ودفعهم إلى صناديق الاقتراع كالمنومين، فيدلون بأصواتهم المصنعة وآراءهم المبرمجة، وبعد أن يتحقق الهدف يجدون أنفسهم قد وقعوا في المطب أو الوقيعة، ولا ينفع حينها الندم.
فهل أن الاستبداد والطغيان إرتدى حلة جديدة معاصرة بشعارات سرابية ذات تيجان ديمقراطية؟!!
واقرأ أيضاً:
الدول النفطية ومصير الإفلاس!! / تعددت الآراء والإعلام قائد!! / نكتب ولا نقرأ؟!! / السيادة المنقوصة والدول المرهوصة!!