ما جرى ويجري في المنطقة العربية منذ عام 1979 وحتى اليوم، قد ساهمت في صناعته إيران، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ذلك أنها أعلنت ثورتها وعملت على تصديرها خصوصا إلى المنطقة العربية، وصارت عقيدة تصدير الثورة حالة أشبه بالهوس والوسواس الذي لا يزال يعصف بأركان النظام الإيراني. وبسبب هذا الاندفاع المتواصل والإصرار المتجدد على تحقيق الهدف المرسوم، عانت المنطقة الكثير من الويلات، والسبب يعود إلى أن هناك العديد من القوى التي لها مصالح في المنطقة، ومعظمها وظفت التطلعات الإيرانية من أجل أهدافها، وشجعت السلوك الإيراني في بعض الفترات حتى حصلت على الكثير مما لا يمكنها الحصول عليه.
تحقق ذلك في العراق خصوصا، حيث تم الاستثمار في إرادة تصدير الثورة، والاستحواذ على الآخرين في بلاد الرافدين من أجل كسب المصالح وتحقيق الأهداف. وتكرر ذات الأسلوب في دول عربية أخرى، قد أسهمت إيران في تقرير مصيرها وتحقيق مصالح الطامعين فيها، وهي تدّعي بأنها تواجه القوى والآخرين. والحقيقة الماثلة للعيان أنها تساهم في تأكيد مصالحهم لأنهم قد أوهموها بأنها تنال مصالحها وتحقق تطلعاتها. ومأساة العراق في أصلها تسببت فيها إيران بصورة أو بأخرى، لأنها لا زالت تعيش الوهم، وتحسب أنها تمكنت منه، وأن عقيدتها الثورية ستنتشر في أصقاع الأرض كافة، وفقا لما كرره الرئيس الإيراني في كلماته في الأمم المتحدة. ومن المحزن أن لا تتعامل إيران مع الواقع باقتراب آخر ورؤية موضوعية بعيدا عن الأوهام الثورية والعقائدية، وتتحسب لأحوال المسلمين وأحوالها، بدلا من أن تكون وسيلة من خلالها يتم تحقيق أحلام الآخرين.
فالقوى الأخرى وجدت في إيران الوسيلة الأمثل والأقوى لتحقيق الصراع الإسلامي الإسلامي، وتنمية المشاكل وتفاقم المآسي والويلات في ربوع البلاد العربية خصوصا والإسلامية عموما. وإيران لا ترعوي ولا تتنبه ولا تنظر بعقل راشد، وإنما هي موغلة في انقطاعها وتوهمها بأنها ستصل إلى ما تريد، وكأنها لا تدري بأن ألف حفرة وحفرة قد أعدت لها، وأنها ستسقط ذات يوم معلوم في أكبرها وعندها سيتم نهشها وتبديد أوصالها.
إن السلوك الإيراني يبدو وكأنه نوع من التخبط المحكوم بخمر الأفكار والتصورات، والبعيد عن قراءة الحاضر والمستقبل بصورة واضحة. فإيران يُراد لها أن تدخل في صراعات إقليمية وتفاعلات سلبية مع السعودية والبحرين ودول الخليج ولبنان وسوريا، وهي لا تتنبه وإنما تحسب هذا الجر نحو الهاوية تقدما وانتصارا، وأن ما تقوم به في العراق إنجازا عقائديا رائعا.
ويبدو أن من المسؤولية التأريخية والدينية والأخلاقية أن تنسحب إيران وتعيد ترتيب خارطة أفكارها، وتكون مع الدين لا عليه بأفعالها وسياساتها، وتدرك المخاطر المحيطة بها، والتي ستهب عليها فجأة وتتركها في مأزق لا يمكن الخروج منه إلا بالتجزئة والصراعات الدائمة. وعليها أن تهتم بالداخل الإيراني وتدفع به إلى المعاصرة والمواكبة والتقدم والرقاء، بدلا من هذا النهج الذي سينقلب عليها وبالا، فهي تقارع قوى لا قبل لها بمواجهتها وفهم نظريات سياساتها وستراتيجياتها المعقدة.
وما تقدم ليس ضد إيران وإنما خوفا عليها، وتأكيدا لأهميتها ودورها في الحياة الإسلامية والإنسانية، ويُخشى أن القِدر سيغلي في إيران ولا تتنبه القيادة حتى تفاجأ بانفجاره واحتراق الوطن بنيرانه. فإيران لا زالت لا تصدق بأن زمن العقائد والأوهام قد انتهى، وأن الحياة أصبحت نشاطات اقتصادية إبداعية علمية ثقافية، تساهم في الصناعة والزراعة والتجارة والابتكار المتجدد، والمؤثر في مسيرة البشرية في القرن الحادي والعشرين وما بعده. أما القول بغير ذلك فإنه صار من أحاديث الكهوف ومغارات العصور، فالثورة في العقل والوعي والإدراك، وليست بالدموع والأحزان والعواطف والانفعالات والأوهام.
فهل ستستيقظ إيران من غفلتها وأوهامها العقائدية، وتقرأ الزمن بعيون معاصرة ذات بصيرة إدراكية صالحة للحياة؟!!
واقرأ أيضاً:
1979 الذي جرى ويجري؟!! / نكتب ولا نقرأ؟!! / تعددت الآراء والإعلام قائد!! / التنافس والترافس!! / أين قيمة الحياة؟ يا عرب!!