الأجيال وعلى مدى قرون عديدة مرهونة بكلمة "قال", حتى أصبحت ذات قدسية وسطوة وسلطة مطلقة عليهم, وأسهمت في مصادرة العقول وتعطيلها بالكامل, ولهذا تجدنا نتكلم ونكتب ونخطب بذات الآلية التي فرضتها علينا إرادة "قال". فلكل حالة وحدث ألف "قال" و"قال", وكأن الأمور ثابتة, والأرض جامدة, والكون ساكن, والموت آمن, والحياة آسنة!! هذا الارتهان من أخطر العاهات وأفظع البلاءات التي تواصلت في مجتمعاتنا, فدمرتها ومنعتها من استعمال العقل والنظر بحرية, وفقا لمعطيات يتفكرون ويتدبرون ويتلبلبون, فأوجدت الأجيال صيرورات راكدة ذات أدمغة فقدت محفزات التطور والارتقاء والنضج والنماء, لتحقيق المعاصرة والبقاء والاتيان بالجديد الأصيل من العطاء.
ولهذا تجد الأجيال الحاضرة مؤهلة وراثيا للرضوخ لصوت "قال", والعمل بموجبها لتعطيل العقل ومنعه من التفاعل مع زمانه ومكانه, والحيلولة دونه والحياة, ودفع الطاقات الانفعالية المتنامية في الأعماق للتدحرج المستلطف نحو وديان الهلاك والضياع المبين.
و"قال" صوتٌ مضى وما انقضى, ويمتلك قدرات التعطيل العقلي والتعضيل السلوكي, وتدفع نحو تدمير الذات والموضوع, وتشكيل حالة يأساوية قنوطية خاوية بائسة الملامح والتطلعات, مما يعني أنها تحقق منافذ وفجوات خالية من الصد والمقاومة, فتتسرب منها آفات العدوان والافتراس والامتهان, وقدرات المصالح وآليات الاستثمار في الأرض الخالية من الحراس اليقظين والمدافعين الشرسين عن وجودهم أجمعين.
وبسببها ترانا في أسوأ الأحوال, لأن "قال" أصبحت أمرا ودستورا ومنهاجا للسلوك ولا يعنينا ما يترتب عليه من نتائج وتداعيات, ويغيب عنا ما تم تحميلها من دسائس وافتراءات وعدوانيات وبغضاويات على مر الأزمان, ووفقا لإرادة السلطان ووعاظه المتاجرين بدين.
ولكي تسترد المجتمعات قدرتها على الحياة عليها أن تعيد النظر بتأثيرات "قال", وتؤمن بالمنهج العلمي وتحترم العلم وتعلي من شأنه, وتعمل على تنمية التعليم وتحفيز العقول وإعانتها للخروج من هذا المستنقع الفنائي التدميري الطنان, العاصف في ربوع النفوس ورأس الإنسان!!
فهل من عودة للعقل يا أمة يعقلون؟!!
واقرأ أيضاً:
آيْ ثِنْك!! I THINK / احترامي للحمير!! / وطن تشيّده السواعد..!! / أيهما أولا, الأفكار أو الأموال؟!!