الديمقراطية ليست انتخابات وحسب، فالانتخابات ركن مهم منها، لكنها لا تستوفي شروطها وقدرتها على التعبير الأمثل عن الإرادة الشعبية إلا بتوفر أركانها الأساسية الأخرى، وهي البنى التحتية، والتعليم المعاصر، والقوة الاقتصادية والعسكرية والأمنية. فلا توجد دولة ديمقراطية في العالم بلا قوة عسكرية فائقة وانتعاش اقتصادي واضح، وشعب متعلم معاصر، بعيدا عن الدين وأضاليل المتاجرين به. بينما الواقع العربي يفتقد لجميع الأركان الأساسية للديمقراطية، ويحصر معناها في الانتخابات التي لا يمكنها أن تكون نظيفة ونزيهة مهما توهمنا وتصورنا، ولهذا تجد الواقع العربي في تداعيات مروعة منذ أن انطلقت الانتخابات فيه، وذلك لأنها تُسخَّر لتحقيق أغراض الطامعين في البلاد والعباد كما حصل في العراق، ومصر وليبيا واليمن، أي أن الانتخابات تتسبب في انشقاقات ودمارات تفريقية خطيرة تنهك المجتمع المنهوك أصلا.
ولهذا فإن القول بالديمقراطية في المجتمع العربي يتطلب تقدما كبيرا في البنى التحتية والاقتصادية والتعليمية والوعيوية، والاهتمام بالزراعة وبقدرة الشعب على إطعام نفسه، وبناء قوته العسكرية والأمنية المحافظة على كيان الدولة ومؤسساتها وفرض القانون. فما معنى وقيمة الانتخابات في دولة فاشلة، وبلد تنهار فيه مستلزمات البنى التحتية من الكهرباء إلى الماء الصالح للشرب والتعليم والرعاية الصحية وغيرها الكثير من متطلبات الحياة المعاصرة. وانتخابات كهذه ستزيد الطين بلة، وستفاقم الأمور وتصيبها بفواجع سلوكية قاسية، وعليه فالمطلوب الاهتمام بالأركان الأساسية المهمة التي تساعد المجتمع للوصول إلى القدرة الواعية على الإدلاء بصوته وتقرير مصيره. أما أن تبقى الأمور على حالها ودورانها في حلقة مفرغة من النمطية السلوكية العتيقة البائدة، فإن الحياة لن تتقدم بل ستتقزم، ولن تجد الأجيال نورا في نهاية نفق الويلات والتداعيات المتراكمة منذ عقود.
فهل سيتمكن المجتمع العربي من بناء الدولة ببنيتها التحتية المتطورة قبل الرقص في حلبات الانتخابات، التي يتم توظيفها لتدمير العرب وتحطيم وجودهم العسكري والقيمي والاجتماعي، فالانتخابات في الواقع العربي من أفظع أسلحة التدمير الشامل التي يمكنها أن تدمر وجود أمة.
ومن الحكمة أن تُلغى الانتخابات في مصر والعراق، ففي مصر يبدو أنها تستهدف تمزيق الجيش من الداخل بعد فشل تدميره من الخارج، وفي العراق تسعى للإيقاع بين أبناء الشعب الواحد كما حصل في السابق، وأن تتوجه الحكومات للعمل المتواصل لتحقيق إنجازات اقتصادية وعمرانية تنموية، والتحرر من مشاكل السكن والحرمان من الكهرباء والتعليم والرعاية الصحية، وبناء إرادتها الأمنية والعسكرية، وبعدها يكون المجتمع مؤهلا لخوض انتخابات يقرر مصيره فيها.
فربما هذا هو الحل الأنجع وإلا فإن الأمور ستتفاقم في البلدين، لأن الديمقراطية مشروع وطني اقتصادي متكامل، وليست انتخابات مرتبة لغايات خفية ومشاريع استلابية!!
واقرأ أيضاً:
القِوى العقلية للكراسي العربية!! / وطن تشيّده السواعد..!! / مصر والاستثمار في العلاجات الطبية العربية!! / رهائن قال!! / الأنهار الموازية!! / أطعموا أنفسكم يا عرب!! /أيهما أولا، الأفكار أو الأموال؟!!