الانتخابات المزمع إجراؤها في العراق ومصر، تدعو للقلق وتُشير إلى ما لا تحمد عقباه، لِما سيجري قبلها وأثناءها وبعدها من تداعيات وتفاعلات يتم الاستثمار فيها للإيقاع بالبلدين وتحويلهما إلى كينونات متنازعة حتى تبيد. ففي العراق هناك أكثر من مئة حزب وكتلة وفئة تسعى للتنافس على مقاعد برلمانية، وفي العرف الجمعي أن الديمقراطية هكذا وحسب، وكأن الانتخابات لم تكن موجودة قبل ألفين وثلاثة، بل ومنذ تأسيس دولة العراق، فهل هذا يعني أن الأنظمة التي تجري فيها الانتخابات ديمقراطية؟
الديمقراطية لا يمكن اختصارها بالانتخابات، وإنما هي مشروع وطني نهضوي وحدوي يهدف إلى بناء القوة الوطنية بأنواعها، والقيام بالمشاريع الإنمائية على جميع المستويات، ولا بد لها أن تهتم بالتعليم إلى أقصى ما تستطيع لكي تواكب وتعاصر الأمم والشعوب الأخرى، وترقى بالمواطن إلى الدور المسؤول، وهي نظام اقتصادي وتحفيزي لإطلاق الطاقات الوطنية ورعايتها والاستثمار فيها. ولا يمكن القول بالديمقراطية في مجتمعات فاقدة لمرتكزات البنى التحتية، ويتفشى فيها الخراب والفساد والمحسوبية، والآليات العتيقة في التفاعل والتعامل مع التحديات، وعدم القدرة على تلبية أبسط الحاجات.
ولا توجد دولة ديمقراطية في الأرض يتنافس فيها أكثر من مئة حزب أو فئة، حتى في الهند فإن التنافس يكون بين بضعة أحزاب، وفي الدول الديمقراطية القوية يكون التنافس بين حزبين أو ثلاثة لا غير، فكيف يمكن القول بأن ما يجري هو سلوك ديمقراطي؟ كما أن الأحزاب تخوض الانتخابات ببرامجها الواضحة التي تضع فيها حلولا لمشاكل وتحديات تواجه المجتمع، ولا تخوضها كما يحصل في العراق على الفئة والمذهب والطائفة والعشيرة والقبلية، وقد تُحدد النتيجة فتوى من الذين يبيحون لأنفسهم الإفتاء، ويوهمون الناس بوجوب اتباع فتواهم وما هي إلا رأي لا يستوجب الاتباع.
إذن هناك فئات وتحزبات قد تنجم عن تكتلات يُتفق فيها على توزيع المناصب، وتقاسم الغنائم والتصرف بالثروات، ولا توجد برامج وطنية مطروحة أمام الناس، ولا يَعرف الناخب لمن يصوت وإنما لهذا اللون أو ذاك. وبسبب هذا السلوك العدواني على أبسط المعايير الديمقراطية، تحققت في العراق أكبر عملية إنتهاب في تأريخه وربما في تأريخ دول الأرض ، إذ تم نهب أكثر من ألف ومئتين بليون دولار من أموال البلاد، وعلى مدى عقد ونصف ولا يُعرف إلى أين ذهبت، وجميع النهابين يحاربون الفساد ويدّعون ما يدّعونه والبلاد في خراب والعباد كالقطيع في اليباب.
وفي مصر حققت الانتخابات في السابق نكبة نكداء كادت أن تأخذ البلاد إلى حيث العراق وليبيا واليمن، لولا يقظة القوات المسلحة وهبّتها المباغتة التي أخرجت البلاد من نفق الإتلاف الذاتي المروع، واليوم يتم العزف على أوتار الانتخابات في وقت تتخذ فيه الحكومة خطوات استثمارية وعمرانية واقتصادية متميزة، وعليها أن تمضي في هذا الدرب الإبداعي المتصاعد، لكي تؤسس لبنى تحتية ذات قيمة مستقبلية تستثمر فيها الأجيال.
ويبدو أن ما يجري في مصر لا يروق للآخرين فأخذت المحاولات تُظهر ما هو أدهى، وذلك باستغلال الانتخابات للإيقاع بالمصريين جيشا وشعبا، ودفع المجتمع إلى السقوط في أحابيل الويلات الليبية واليمنية والعراقية، فالانتخابات المصرية القادمة إن تحققت فإنها ربما مُهندسة لدفع مصر إلى دوامة مفرغة من النكبات الخسرانية التي ستقتلع الوجود العربي من أصله وفرعه. فمصر عمود الوطن العربي وقلبه النابض، ولا يزال العرب بخير ما دامت مصر بخير وعافية، وأي ضرر يصيب مصر فإن أمة العرب ستتهاوى عن عروشها وبسرعة مذهلة، وستسود فيها الوحوش الكاسرة التي تم تجربتها في العراق وسوريا، ومن ثم تم تكمينها أو تنويمها وتسبيتها حتى تنهض من جديد بعد انهيار مصر لا سامح الله، وفقا لحسابات الدمار والخراب الافتراسي المتوحش الذي يستهدف جميع البلاد العربية، والذي يتحقق بواسطته أعظم نهب لثروات العرب وتفريغ شرس لخزائنهم.
وهكذا يبدو أن الانتخابات ربما ستقود إلى نكبات وانتهابات في البلدين، ولا وجوب لها، وعلى المجتمع العراقي أن يعي بأن هذه التكتلات والفئات المئوية الأعداد لا يمكنها أن تكون ديمقراطية، وعلى المجتمع أن يتعلم كيف يختصرها باثنين أو ثلاثة، وأن يكون التنافس على البرامج الوطنية وليس التكتلات الفئوية والتحزبات المقيتة. وعلى مصر أن تستيقظ وتتفهم الواقع فهي بحاجة للمضي بما تقوم به من إنجازات ونشاطات استثمارية وعمرانية ومشاريع، وليست بحاجة لانتخابات يُراد توظيفها لقتل مصر.
أللهم احمي مصر والعراق من أهوال الانتخابات، واجعل اليقظة والحذر سلاحا متأهبا لمواجهة الأحابيل والدسائس التدميرية لوجودهما، فقد ذهب العراق وذهبت سوريا وبقيت أمة العرب تمشي بساق واحدة فلا تكسر ساقها وترديها كالنطيحة بين الذئاب!!
وقل: أعوذ من شر الانتخابات على العرب!!
واقرأ أيضاً:
أطعموا أنفسكم يا عرب!! / أيهما أولا، الأفكار أو الأموال؟!! / تبا للانتخابات يا عرب!! / أصوات بلا صدى؟!! / قميص الانحطاط!!