ليس عدوانا على الديمقراطية أو ضدها، وإنما لتوضيح حقائق قد تغيب عن الأذهان أو تحجبها الغفلة وماكنة الإعلام النزقة المشحونة بالانفعالات، والخالية من الموضوعية ومن الأدلة، والمجانبة للحقيقة والمنهمكة بالأضاليل والافتراءات والتمريرات المطلوبة. فما أروع الديمقراطية الحقيقية وما أجمل الانتخابات المسؤولة الواعية!!
لو تذكرون انتخابات الجزائر في العقد الأخير من القرن العشرين، وما آلت إليه من دمارات وحروب شرسة بين أبناء الوطن الواحد، والتي منها ترشحت استنتاجات وخطط ومنطلقات، خلاصتها أن الانتخابات يمكنها أن تكون من أروع أسلحة التدمير الشامل للقضاء على العرب. وقد انتهت إلى ما انتهت إليه في العديد من الدول العربية، كما في العراق الذي لو تقرأ انتخاباته لوجدتَ ما يرافقها من تفاعلات حامية وتداعيات دامية قبل وأثناء وبعد إجرائها، والأدلة واضحة وبينة لكل عاقل حصيف، بعيدا عن أضاليل الإعلام وأبواق الكراسي ووعاظها.
والانتخابات هي التي شطرت الفلسطينين فأوصلتهم إلى ما هم عليه اليوم، وفي مصر كاد سيناريو الجزائر أن يتكرر لولا يقظة القوات المسلحة وهبتها المباغتة، وفي اليمن جرى ما جرى، ولبنان فيها عِبر ودروس، وتونس التي تُحسب الأنضج سلوكيا فإنها تعاني وتقاسي من أمور عديدة يُراد الاستثمار فيها لإحداث الوقيعة، لكن الوعي الشعبي لا يزال أقوى وأقدر. والمشكلة العظمى في المجتمعات العربية هو عدم استيعاب أن الأحزاب المتأدينة لا يمكنها أن تبني دولة ديمقراطية، لأنها لا تؤمن بالديمقراطية أصلا ولا بالوطن قطعا، فجوهر معتقداتها مبني على التطرف والأحادية والإيمان بامتلاكها الحقيقة لوحدها، والآخر إما معها أو ضدها، وبسبب ذلك فإنها تساهم في تحويل الدول إلى جحيمات سقرية فائقة الخراب والدمار.
والأدلة ساطعة في العراق وليبيا واليمن، ودول أخرى كادت أن تتمكن فيها تلك الأحزاب المناهضة لأبسط مبادئ وقيم الحرية والحياة المعاصرة، التي تحترم قيمة الإنسان وحرية تفكيره وعقله. وفي جميع التجارب الانتخابية التي جرت في الدول العربية يبرز إلى السطح هؤلاء المدّعون بأنهم يمثلون الدين، ويبدؤون مسيرة الفتك بالوجود العربي وتفصيله على مقاساتهم السوداء الحمقاء فينتشر العدوان والعداء، وتتحول الأيام إلى أنفاق داجية ظلماء.
ومن أهم الخطوات المطلوبة لبناء ديمقراطي حقيقي وصالح للحياة هو إلغاء جميع الأحزاب التي تسمي نفسها دينية، فالدين لا علاقة له بالديمقراطية لا من بعيد ولا من قريب، أما إذا بقينا نغمض عينا ونفتح أخرى، فلن نحصد أفضل مما حصدنا، لأن العقلية ذاتها والفئوية هي السائدة والمتمكنة من الرؤى والتصورات والمحددة للسلوك والتوجهات.
فلا انتخابات في زمن الفئوية والأحزاب المؤدينة المدعية بالسياسة، وما هي إلا توابع للحية وعمامة عمياء صماء بكماء وتحسب أنها تعرف الدين والحياة، وهي الغارقة في فتاوى ما بين حانة ومانة، فهذه هي رسالتها الحمقاء، وكل ادعاءٍ سواها هراء.
واقرأ أيضاً:
تبا للانتخابات يا عرب!! / أعوذ من شرّ الانتخابات على العرب!! / حطموا فتحطّموا!! / الصين قدوتكم يا عرب!! / أصوات أطفالنا تنير عزائمنا!!