ما يميز الدول المتقدمة عن الدول المتأخرة أشياء كثيرة، لكن الذي يشد الانتباه لأول وهلة هو سيادة اللون الأخضر والنظافة والنظام. ولا توجد دولة متقدمة في الأرض إلا وطغى اللون الأخضر على ربوعها، وتباهت شوارعها وبيوتها وفنادقها ومنتجعاتها باللون الأخضر وتسامقت به في الفضاء، بل أن الهوس باللون الخضر قد جعل العمارات تبدو وكأنها لوحات مرسومة بيراع الطبيعة. ويبدو أن هناك علاقة طردية ما بين نسبة اللون الأخضر والتقدم والتأخر، فما أن تتحسس قلته حتى تدرك أنك في بلد متأخر، أما إذا ساد اللون الأخضر فإنك في بلد متقدم وقوي.
هذه ملاحظة مستنبطة من مشاهدة بلدان عديدة، فإذا تريد أن تعرف عن البلد الذي تزوره وهل ستأنس بزيارته، فعليك أن تبحث عن اللون الأخضر فيه، فإن وجدته دائم الاخضرار فإنك ستسعد بزيارته وتتمتع بجماله. وواقعنا العربي يوضح ذلك بتفاصيل أدق، وبلوحات جرداوية خانقة تؤكد مدى التأخر وضياع روح الجمال وفقدان النظافة والنظام، فاللون الكالح يسود حتى في بلدٍ ذات نهرين، والعلة ليست في البلد والنهرين، وإنما بالذين يتوطنونه ويعادون اللون الأخضر ويمقتونه، فترى نزعة إبادة الأشجار هي السائدة، فكأن الشجرة عدو البشر، ولهذا تهمل وتُحتقر ولا تلقى العناية اللازمة لتنمية اللون الأخضر وإشاعة الجمال الكفيل بتطهير النفوس من الأوذان.
إن عدم الاهتمام باللون الأخضر من العاهات الحضارية العاصفة في بلدان المنطقة، مما تسبب في انهيار الزراعة وفشل المشاريع الزراعية، واحتقار النخلة وعدم العناية بها، وفقدان القدرة النفسية والفكرية على إنشاء مزارع للنخيل لإطعام الناس والماشية، رغم أن الأرض العربية أخصب بقعة لنماء النخيل، ولهذا تجدنا جياع على جميع المستويات ونستجدي الطعام من الآخرين، لأن اللون الأخضر عدونا. ولو تساءل أي منا كم شجرة زرع. وهل أسهم بزراعة بقعة خضراء في بيته أو شارعه أو حارته، لتبين أنه قد خرب بقعة خضراء وقطع عددا من الأشجار، وكأن قطع الشجر والعدوان على الزرع من السلوكيات الشائعة في مجتمعاتنا، مع أن الدين السائد يدعو إلى احترام الزرع والضرع، والاهتمام بالزراعة وبما ينفع الناس أجمعين.
هذه مفردة سلوكية ذات تراكمات قاسية وخسائر اقتصادية فادحة نغفلها، ولا يمكننا إدراكها لعدم قدرتنا على استيعاب ما ستكون عليه النتيجة، فما يخربه كل فرد عندما تنظر إليه بمجموع أمة وشعب تكون النتيجة مروعة، أي أن الأمة تمارس سلوك التخريب والإتلاف الاقتصادي، بينما المطلوب من كل فرد أن يزرع ويساهم في زيادة مساحة اللون الأخضر.
وعليه فإن من الأركان الأساسية للتقدم والقوة والنماء أن تسود ثقافة اللون الأخضر، وأن يساهم كل مواطن بزراعة شجرة تمنحه الطعام والجمال ويتعهدها بالرعاية والاهتمام، وبهذا يكون الاقتصاد قويا والنفوس سعيدة ومستبشرة بالخيرات.
واقرأ أيضاً:
حطموا فتحطّموا!! / الصين قدوتكم يا عرب!! / أصوات أطفالنا تنير عزائمنا!! / الانتخابات مهلكة العرب!! / بهتان الديمقراطية والعواطف البشرية!!