من الأقوال المأثورة "العدل أساس الملك"، والتأكيد على موضوع العدل نهج بشري متواصل منذ الأزل، وتوسعت فيه الرسائل السماوية والدنيوية، وتعمق فيه المصلحون والمفكرون والعقلاء في جميع الأمم والشعوب. وعندما نتساءل لماذا للعدل هذه الأهمية في الحياة البشرية، ولماذا يصعب تحقيقه والعمل بموجبه، رغم المحاولات الحثيثة لإبتكار صيغ تعبيرية عن العدل، ابتداءً من شريعة حمورابي وما قبلها وما بعدها وحتى اليوم، يبدو الجواب متنوعا ومنطلقا من آراء وتصورات.
وفي الآونة الأخيرة تم إجراء تجربة على قردين موضوعين في قفصين منفردين متجاورين، وقام صاحب التجربة بتقديم قطع من الخيار لكل منهما، فكانا يأخذانها بنفس راضية وهدوء وسكينة، وعندما بدأ بإعطاء أحد القردين حبة عنب والآخر قطعة خيار، ثارت ثائرة القرد الذي يُعطى قطعة خيار، وتنامى غضبه وتعاظم مع إصرار الشخص على إعطاء القرد الآخر عنبا وإعطائه قطع خيار، والتفسير الناجم عن هذه التجربة أن الإحساس باللاعدل غريزة شعورية في المخلوقات كافة ومنها البشر، وهذه الغريزة أساسية ويمكنها أن تتسبب بسلوكيات غاضبة وعدوانية هائلة وفقا لدرجات ذلك الشعور، أي أن العدوانية والغضب تتناسبان طرديانا مع غياب العدل، فإذا كنت عادلا بدرجات عالية، تكون العدوانية بدرجات منخفضة، وإذا انتفى العدل تتفاقم العدوانية.
ومن هذه التجربة البسيطة، يتبين بوضوح أن العدل حقا أساس الملك الصالح الصحيح، وكلما غاب العدل من سلوك السلطة أيا كان نوعها ومستواها، تفاقمت المشاكل وتعاظمت الخطوب وتشعبت وتعددت وتطورت وتعقدت وترابطت بحالات أخرى متنوعة.
وما يجري في الواقع البشري عموما والعربي خصوصا هو غياب العدل، وسيادة الاستئثارية والإقصائية والحيف والأنانية والاستحواذية وضعف القانون وهيمنة الفساد والفاسدين، والإمعان باغتصاب الحقوق واستشراء الإهانة والظلم والقهر والحرمان، وغيرها من مفردات وعناصر العدوان على البشر وتجريدهم من حقوقهم الإنسانية.
وعندما يشعر الناس بالظلم وغياب العدل والإنصاف، فإنهم يعبرون عن ثورتهم وغضبهم بسلوكيات لا تخطر على بال، ويتم الاستثمار فيها من قبل الظالمين لتسويغ ظلمهم واستبدادهم، وبهذا تدخل المجتمعات في دوائر مفرغة من التفاعلات الإهلاكية الخسرانية المروعة.
وهذه جوهر العلل والمعضلات وعاهة العاهات وما عداها ثريد حول صحون الويلات!!
واقرأ أيضاً:
الطرق على الأبواب لا ينفع يا عرب!! / تحالفوا وتآلفوا يا عرب !! / الانتكاب والانتهاب!! / عباس محمود العقاد في مكتبة سامراء العامة!!